سایت استاد مهدي خداميان آرانی
۱۰۱۴. کتاب صرخة النور | |
تعداد بازديد : | ۳۱ |
موضوع: | كتب عربى |
نويسنده: | مهدى خداميان |
زبان : | عربی |
سال انتشار: | چاپ اول، ۱۳۸۵ |
انتشارات: | وثوق، قم |
در باره کتاب : | حكاية الملحمة التى سطّرتها السيّدة الزهراء (س) |
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم! أنّ هذا الكتاب الذي بين يديك يريد أن يأخذك في سفر خمسة وسبعين يوماً . كأنّي أراك تتساءل : أيّ خمسة وسبعون يوماً هذه ؟ !
إنّها من اليوم الذي ارتحل فيه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى ليلة شهادة السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) .
لا بدّ أن تكون ملمّاً بالوقائع التي وقعت في المدينة آنذاك .
أُحدّق في السماء المطرّزة بالنجوم .
ليتني أعرف ماذا سيحصل غداً .
أُفكّر في نفسي ، ليتني كنت الآن في المدينة .
إلهي ، هل سأتمكّن من رؤية النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) مرّة أُخرى ؟
أخرجُ من المسجد متعجّباً ، يا ترى أين ذهب الناس ؟ المدينة فارغة من أهلها هي الأُخرى .
ربّما الناس في بيوتهم ؟
طرقت أبواب بعض المعارف ، ولكن لا أحد يجيبني .
أرى أحدهم يتّجه نحوي .
لا بد أنّك مثلي تتعجّب لهذا المنظر .
أقتربُ من أحدهم ، وأقول له :
ـ ألم يعيّن النبيّ عليّاً في غدير خمّ خليفةً له ؟ لماذا تلقون الخلاف بين المسلمين ؟
ـ لسنا نحن من ألقى الخلاف ، المهاجرون هم بدأوا به .
ليت شعري ، هل دُفن جثمان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ لماذا أضحى الناس هكذا بلا عهد ولا وفاء ؟
إلى حدّ أمس كانوا يُظهرون الاحترام لشخص النبيّ ، لماذا اليوم لا يريدون الصلاة على جثمانه ؟![۱۵] رفيقي العزيز في هذا السفر ! تعال نذهب معاً إلى بيت النبيّ .
انظر ، ها قد فرغ عليّ من غُسل النبيّ وتكفينه وكان هو أوّل من صلّى على جثمانه الطاهر .
رفيقي العزيز ، انظرْ هناك ، أقصدُ هذين النفرين الذين يَجِدّانِ السير نحونا .
يبدو أنّهما مُقبلان من عند السقيفة[۱۹] لم أدرِ لماذا هما مضطربان إلى هذه الدرجة ! أتدري؟ سأكلّمهما .
ـ أنتما! انتظِرا ، إلى أين بهذه العجالة ؟
ما أشدّ اضطراب السقيفة بأهلها ! اتّفق الأنصار جميعاً على مبايعة سعد .
التفّوا حوله يردّدون الهتافات ، حسب الظاهر لا يوجد مَن يخالف سعداً في الخلافة . وكان سعد فرحاً مسروراً ، كيف لا وهو لا تفصله والحكومة على أرض الحجاز سوى بضعة أقدام .
وبالأثناء يصل أبو بكر وعمر وأصحابهما ، تصيبهم الدهشة من رؤية هذا التجمّع الغفير .
يتقدّم أبو بكر إلى الأمام ، وكان أسنّهم ، وهو كبير المهاجرين .
انظرْ هناك !
أحد كبار الخزرج يتقدّم إلى الأمام وينادي بصوت مرتفع : أيّها الناس ، املكوا عليكم أمركم ، لا تسمعوا لأبي بكر ، لا يخدعنّكم قوله !
نحن مَن آوى النبيَّ حين أخرجه أهل مكّة ، ونصرناه بالغالي والنفيس ، فنحن أحقّ بالأمر منهم ، وإذا لم يقبل المهاجرون ذلك نخرجهم من المدينة !
ثمّ يلتفت نحو أبي بكر وعمر وبقيّة المهاجرين الحاضرين هناك فيقول : والله ، لا يخالفنا أحد إلاّ كان السيف بيننا وبينه[۲۳]
بالأثناء يقع ناظري على بشير ، لا أدري إن كنتَ تعرفه أم لا ؟
من أهل المدينة ، ولكنّ قلبه يتّقد حسداً لسعد .
صحيح أنّ سعداً رئيس قبيلته ، ولكنّه لا يتحمّل أن يرى سعداً خليفةً للمسلمين .
أشعل الحسد ناراً تتأجّج في داخله ، ينهض من مكانه ويبدأ بمخاطبة قومه :
وإذا بأبي بكر يلتفت نحو الناس فيقول لهم : أيّها الناس، هلمّوا إلى عمر فبايعوه !
ينظر الناس بعضهم إلى بعض ، ويتنادون : كلاّ ، لن نبايع له .
يلتفت عمر نحوهم متسائلاً : لِمَ ؟
فقال الناس : نخاف الإثرة .
بايع جُلُّ أفراد قبيلة الأوس أبا بكر .
هل تتذكّر أوّل من بايعه ؟
نعم ، أعني بشيراً ، أحد كبار قبيلة الخزرج ، وذلك ـ كما أسلفنا ـ بسبب حسده لابن عمّه سعد أن يصير خليفة .
والآن بعد بيعة بشر وقع الاختلاف في صفوف الخزرج ، انحاز البعض لفعل بشير ، وخالف البعض الآخر .
يخبرون الخليفة الجديد أنّ سعداً قد رحل إلى بيته .
ولكن ، لماذا رحل ولم يبايع ؟
يجب إرجاعه إلى السقيفة وإجباره على البيعة ، ألم يبايع المسلمون أبا بكر ؟ لماذا يحاول تفتيت وحدة المسلمين ؟
عزيزي القارئ .
هل توافقني بالعروج على بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
انظر ، أرى عليّاً(عليه السلام) عند جسد النبيّ في بيته ، وهو الآن جالس عند حافّة القبر ، وبقربه عمّه العبّاس ، وحولهما بنو هاشم .
وكان قد حضر أيضاً المقداد وسلمان وأبو ذر، وبعض ممّن حضر وآثر البقاء في بيت النبيّ على الاشتراك في السقيفة .
نعم ، أغلب المسلمين لم يحضروا دفن النبيّ[۴۲]
وأخيراً بايع أهل السقيفة جميعهم أبا بكر ، وآن الأوان لنقل الخليفة إلى داخل المدينة .
يتوجّه الخليفة مع من كان في السقيفة نحو مسجد المدينة .
وفي الطريق كانوا يُلزمون كلّ من يصادفهم بيعةَ أبي بكر ، شاء أم أبى[۴۹] نعم ، اتّحد المسلمون على خلافة أبي بكر ، وكلّ من يخالف هذا الاتّحاد يُقتل !
جماعة لم تبايع الخليفة بعد ، لا بأس ، سوف نشتري هؤلاء بالمال !
نعم ، من يستطيع مقاومة إغراء المال ؟
ولكن يجب إيصال هذه الأموال إلى نساء المدينة !
نعم ، لا بد من النفوذ إلى القلوب عبر النساء ، فكلّ من يكسب النساء إليه يجرّ المجتمع نحوه .
ابتدأت مرحلة الدعايات ، لا بدّ من العمل لإقناع الناس بأنّ أبا بكر هو خليفة رسول الله .
أبو بكر يخطب على منبر رسول الله ، يدخل شخص من باب المسجد ويسلّم عليه بهذا السلام : السلام عليك يا خليفة الله !
لا يصدّق الجميع سمعهم وهم يَرَون كيف تحوّل أبو بكر بين ليلة وضحاها إلى أعلى مقام بحيث يُنادى بخليفة الله .
فيصيح أبو بكر مِن على المنبر : لستُ خليفةَ الله، ولكنّي خليفة رسول الله ، وأنا راض بذلك[۵۶]
مَن هذا الذي يطوف في أزقّة المدينة ينادي بالناس : لقد بايع المسلمون جميعُهم أبا بكر بالخلافة ، هلمّوا إلى المسجد فبايعوا ؟
هل عرفته ؟
إنّه عمر ، فمنذ أن علم أنّ جماعة من الناس لم يبايعوا بعد، وهو يطوف بسكك المدينة يطالب الناس بالبيعة لأبي بكر[۶۰] نعم ، جماعة من المسلمين استتروا في بيوتهم عن البيعة ، فكان عمر يسعى لجلبهم إلى المسجد بأيّ وسيلة لكي يبايعوا .
يتحرّك قنفذ ومعه جماعة نحو بيت عليّ .
طَرَقات على باب بيت علي ، فيهبّ عليّ خارجاً .
ـ ما تبغون منّي ؟
ـ يا عليّ ، أسرِعْ إلى المسجد ; فخليفة رسول الله يطلبك .
اليوم يوم الخميس، الأوّل من شهر ربيع الأوّل ، يجتمع الناس للصلاة في المسجد .
انظر ، يدخل عليٌّ المسجد .
يتعجّب الجميع ، هو أقسم أن لا يخرج من بيته حتّى يجمع القرآن .
انظر جيّداً ، هل ترى ذلك الثوب بيد عليّ ؟
لا يزال البعض من أصحاب النبيّ أمثال سلمان والمقداد وأبي ذرّ وعمّار لم يبايعوا الحاكم بعد ، وكذلك العبّاس عمّ النبيّ لم يحضر البيعة .
وكانوا يتردّدون على بيت عليّ ، مُعلنين عن ثباتهم على بيعتهم لعليّ في غدير خمّ بأمر الله ورسوله في ذلك اليوم المشهود.
والآن، يجب العمل على جلب هؤلاء للبيعة لأبي بكر بأيّ أُسلوب كان .
وتبرز عندهم شخصية العبّاس عمّ النبيّ الأهمّ من بين هؤلاء ، إذا ما استطاعوا كسبه إلى جانبهم فستُحَلّ حتماً الكثير من مشاكلهم .
اليوم هو يوم الجمعة ، الثاني من ربيع الأوّل ، أربعة أيّام انصرمت على رحيل النبيّ من بين ظَهرانِينا .
يجتمع المسلمون في المسجد يتساءلون :
ـ لماذا لا يأتي عليٌّ إلى المسجد ويصلّي خلف الخليفة ؟
ـ هو لم يبايع الخليفة ، واليوم هو يوم الجمعة ، حيث سُتقام أوّل صلاة الجمعة بإمامة أبي بكر ، لابدّ من إحضار عليّ بأيّ طريقة !
فيما عليّ مع بعض أصحابه في بيته، وإذا بجَلَبة" خلف الباب !
نعم ، جاء عمر وبعض مؤيّديه . يرتجّ باب بيت عليّ من شدّة الضربات عليه .
وهذا صوت عمر يتصارخ من بين الجموع صائحاً : يا هؤلاء المجتمعون في هذا البيت ، تخرجون أو لأحرقنّ عليكم ![۷۸] يا إلهي ، ماذا أسمع ؟ !
لا يزال البعض من أصحاب علي في البيت .
يصرخ عمر مرّة أُخرى : اُخرجوا أو لاَُحرقنّ البيت عليكم ![۸۱] يا تُرى ما العمل ؟
هؤلاء يريدون إحراق البيت بالنار .
ترجع فاطمة إلى بيتها ، حيث لا يوجد سوى عليٍّ بعد أن أخذوا جميع أصحابه إلى المسجد .
أُجبر أصحاب عليّ الأوفياء على البيعة ، أُخذوا بالقوّة إلى المسجد لمبايعة أبي بكر .
يسدل الليل أستاره ، وفي جُنح الظلام يأخذ عليّ بيد فاطمة والحسن والحسين ويخرج من البيت .
إلى أين يذهب أحبّاء الله ؟
اليوم يوم السبت ، صباح الثالث من شهر ربيع الأوّل ، أقفزُ من نومي مسرعاً لأذهب نحو المكان الموعود .
جاء عليّ قبل الجميع ، بانتظار أُولئك الذين وعدوه النُّصرة .
وكان المقداد سبّاقاً في المجيء .
أضحى المقداد في تلك الأيّام الرجل المخلص بين حواريّي عليّ ، كان أعظمهم حبّاً وإيماناً في طريق عليّ[۹۰]
يُطلّ يوم السبت ، وهو اليوم السابع من رحلة النبيّ عن هذه الدنيا .
ليس من مصلحة الحكومة بقاء عليّ في هذه المدينة بدون أن يبايع أبا بكر ، لا بدّ من إكراهه على البيعة بأيّ وسيلة .
يتوجّه عمر نحو أبي بكر لأخذ الإذن بجلب عليّ إلى المسجد .
يعطيه أبو بكر الإذن بذلك ، فيخرج عمر هو وجماعة كثيرة متوجّهين نحو بيت عليّ ، وقد صمّموا على جلبه إلى المسجد ليبايع بأيّ وسيلة كانت[۹۲]
يصرخ عمر : علَيَّ بالحطب[۱۰۳] انظر هناك ، يجلب بعضهم الحطب لعمر[۱۰۴] يا إلهي ، ماذا يجري ؟! ماذا يريد أن يفعل هؤلاء ؟!
كلّ من كان تراه يحمل حطباً بيده ، وهم يتوجّهون في طريق واحد .
يهجم جماعة كثيرة من مؤيّدي الخليفة على بيت علي .
كانوا كُثّراً يحملون سيوفهم بأيديهم ، وعليّ وحده !
هل سيحارب عليّ هؤلاء المهاجمين ؟
كلاّ ، لقد عاهد النبيَّ على الصبر على البلاء ما أدّى إلى حفظ الإسلام .
يستعدّ الخليفة لجلب عليّ إلى البيعة .
هؤلاء الذين أسقطوا فاطمة أرضاً ، أخذوا عليّاً إلى المسجد قسراً .
الفرح والسرور الشديد باديانِ على قنفذ لِما أبدى من خدمة الخليفة .
نعم ، ولاية مكّة بانتظاره .
يغصّ المسجد بالناس ، فيخاطبهم عليّ قائلاً : أيّها الناس ، أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله يوم غدير خمّ يقول : مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ؟ أم هل نسيتم أنّ النبيّ في غزوة تبوك قد خلّفني على المدينة قائلاً : يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى[۱۳۴] يهزّون برؤوسهم علامة الإقرار والتصديق .
ولكن هلاّ قام أحدهم لنصرة عليّ ؟ !
كلّ من حدّثته نفسه لنصرة عليّ تقع عيناه على تلك السيوف المشهورة في أيدي أصحاب الخليفة ، فلا يحرّك ساكناً .
يقول أبو بكر لعليّ : ليس لك إلاّ أن تبايع .
اسمع عزيزي القارئ ، ما أجمل جواب مولاك عليٍّ لأبي بكر : يا أبا بكر ، لن أُبايعك ، وأنت أولى بالبيعة لي[۱۳۵] ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله ؟ ماذا جرى حتّى نقضتَ بيعتك ؟![۱۳۶] يا أبا بكر، سمعتُ أنّك احتججت على الناس بالقرابة من رسول الله ، وأنا أحتجّ عليك بمثل ما احتججت به عليهم ، وأنت تعلم أنّي أقرب الناس إلى رسول الله[۱۳۷]
يلتفت عمر نحو عليّ ويقول : أنت لست متروكاً حتّى تبايع طوعاً أو كرهاً[۱۴۴] فيقول له عليّ : احلب حلباً لك شطره ، اشدد له اليوم لَيُردَّ عليك غداً[۱۴۵] ثمّ يلتفت إلى الجموع قائلاً : أما والله، لو أنّ أُولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفَوا لي، لجاهدتكم في الله[۱۴۶] وفي الأثناء يقوم أحدهم من بين الحضّار فيقترب من عليّ قائلاً : يا عليّ ، لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك للإسلام ، ولكنّك حَدِث السنّ ! انظر إلى أبي بكر وإلى هؤلاء، فإنّهم مشيخة قومك ، وليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به ، فسلّمْ لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء ، فأنت لهذا الأمر خليق، وبه حقيق، لِفضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك .[۱۴۷]
مَن هذه المرأة التي تدخل المسجد ؟
ماذا تفعل هنا ؟
هل تعرفها ؟ إنّها أُمّ سلمة زوجة النبيّ وأُمّ المؤمنين، تقترب ومعها امرأة أُخرى .
جاءت إلى هنا لنصرة الحقّ .
ويصيح أبو بكر مرّة أُخرى : دع عنك ذاك يا عليّ وبايعني، وإلاّ ضربنا عنقك .
فيما الحبل كان لا يزال في رقبة عليّ ، يلتفت نحو قبر النبيّ ويقرأ هذه الآية بقلب مكسور : (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى )[۱۵۰] نعم ، التاريخ يُعيد نفسه ، حينما ترك موسى أخاه في قومه وذهب إلى الطور ، عبد بنو إسرائيل بعده العجل ، ولم يقبلوا نصح هارون لهم .
أُولئك تركوا هارون وحيداً ولم ينصروه أمام أعدائه .
تُلازم فاطمة فراش المرض ، وهذا تماماً ما ابتغاه الأعداء .
نعم ، أرادوا لفاطمة ملازمة بيتها ، فلا تخرج منه تدافع عن أحقيّة عليّ .
فهي من جانب مفجوعة بأبيها لم تهدأ عبرتها عليه بعد ، ومن جانب آخر أوجعت قلبَها مظلوميةُ بَعْلها عليّ .
ورغم مرضها لا زالت تفكّر في نصرة إمام زمانها ، إنّها ابنة خديجة ، المرأة التي أنفقت ثروتها في سبيل رسالة النبيّ ، وفدته بكلّ ما تملك .
سيّدي الكاتب ، قلتَ لي أنّ دَخْل فاطمة السنوي سبعون ألف دينار ، ولكن لم تقل كيف ومن أين ؟
حسنٌ سؤالك هذا ، ولكن سؤالي الذي أطرحه عليك صديقي الوفي : هل سمعت باسم فدك ؟
فدك ! وما أدراك ما فدك !
فدك سيف فاطمة الغالب .
يصل الخبر إلى فاطمة أنّ الخليفة طرد وكيلها على فدك .
تُقرّر فاطمة الذهاب إلى الخليفة لاستيضاح الأمر .
ـ يا أبا بكر ، ادّعَيت مجلسَ أبي وأنّك خليفته ، وجلست مجلسه ، لِمَ تمنعني ميراثي من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله بأمر الله تعالى ؟![۱۶۷] ـ وهل فدك مِلكُكِ ؟ !
يصبر عليٌّ يوماً ، وها هو الآن يتوجّه نحو المسجد .
كان المسجد ممتلئاً بالناس ، يتقدّم عليٌّ إلى الأمام ويقول :
ـ لِمَ منعتَ فاطمة ميراثها من رسول الله ؟
ـ هذا فَيءٌ يعود للمسلمين ، فإن أقامت شهوداً بأنّ رسول الله جعله لها وإلاّ فلا حقّ لها .
هل من سبيل لرجوع الخليفة عن كلّ ظلم وحَيف ؟
لا أدري .
قرّر عليّ أن يكتب إلى الخليفة رسالة .
رسالة لأيّ شيء ؟
يأمر الخليفة الناسَ بالاجتماع في المسجد .
ياتُرى مالخبر ؟
يصعد الخليفة المنبر ويقول : أيّها الناس ، إنّي عزمت على إنفاق أموال فدك لإعزاز جند الإسلام ، إلاّ أنّ عليّاً خالفني في ذلك وهدّدني !
ولكأنّه يعارض خلافتي .
هنا بيت الخليفة ، وكان يقلّب الفكر في كلام عمر الذي وعده بتهدئة علي ، كيف يا تُرى ؟
أبإرجاع فدك لفاطمة ؟
فهذا معناه إنهاء خلافته وإلى الأبد .
لم يُطقْ صبراً، فيرسل في طلب عمر .
ـ أيّها الكاتب ! انهض ، كم تنام ؟ ها هو أذان الصباح يصدع في الآفاق.
ـ إنّي جدُّ تَعِب ، لم أنم ليلة أمس، كنت منشغلاً بالكتابة .
ـ يجب أن نذهب إلى المسجد ، هل نسيت أنّ خالداً ينوي قتل مولانا ؟
ـ يا إلهي ! نسيتُ تماماً .
هال فاطمة ما سمعت من محاولة اغتيال الخليفة لبعلها وإمامها عليّ .
هؤلاء سلبوا حقَّ علي واستولَوا على فدك ، والآن يريدون تيتيم أطفالها !
لا يمكنها السكوت عن هذا بعد الآن ، قد حان وقت الصرخة .
صرخة بعظمة التاريخ ، منقوشة على جبينه لن تنمحي .
لازالت فاطمة جالسة في المسجد، لابدّ من فعل شيء ، أقلُّه الردّ عليها والتقليل من تأثير خطبتها على الناس .
فيقوم لها أبو بكر قائلاً :
يا بنت رسول الله ، يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء ، أنتِ صادقة في قولك ، سابقة في وفور عقلك ، غير مردودة عن حقّك ، واللهِ ما عدوت رأي رسول الله ولا عملت إلاّ بإذنه ، واِني أُشهد الله وكفى به شهيداً ، أنّي سمعت رسول الله يقول : نحن معاشرَ الأنبياء لا نُورّث ذهباً ولا فضّة ولا داراً ولا عقاراً ، وإنّما نورث الكتب والحكمة . وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل به المسلمون ويجاهدون الكفّار ، وذلك بإجماع المسلمين ، لم أنفرد به وحدي ، يا فاطمة، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا نزوي عنك ولا ندّخر دونك ، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك ؟ ![۱۸۸] سُرّ مؤيّدو الخليفة لهذا الخطاب ، وأخذوا يحدّثون أنفسهم قائلين : ما أحسن وأبرّ خليفتنا ، إنّه يريد إعطاء أمواله وثروته لفاطمة !
يتبسّم أبو بكر فرحاً ، ظنّاً منه أنّه أفحم فاطمة بجوابه هذا .
لم يكن أحد يتصوّر أنّ بمقدور فاطمة أن تردّ على الخليفة .
ولكنّ فاطمة فضحت الخليفة .
رفيقي العزيز في هذا السفر ، هل تذكر أنّي قلت لك أنّ فدكاً وهبها الله لرسوله، وبدوره وهبها الرسول لفاطمة ؟
ويمضي يوم على أحداث صرخة الشمس ، الخليفة جالس في بيته مفكّراً في حال لا يُحسَد عليها .
انظر ، يَقْدم عمر لرؤية الخليفة .
ـ كما كان جيّداً لو تركتَني بحالي !
ـ لماذا لا تصدّق أنّي أهتمّ بأمرك ؟
يصل الخبر إلى فاطمة أنّ الخليفة يسيء إلى علي من على منبر أبيها .
يوجع ذلك الكلام قلب فاطمة ، فيستولي عليها الغمّ والألم .
ويزداد مرضها ، ويزداد بها الشوق للقاء أبيها .
لو ذهبتَ إلى بيتها وألقيت نظرة على مولاتك فاطمة ، لرأيت رأسها معصوباً دوماً .
تعبت فاطمة من هؤلاء الناس ، عصوا كلامها ووقفوا مع عدوّها .
جعلوها حبيسة بيتها ، قتلوا ولدها محسناً .
تعبت فاطمة من هذه الدنيا ، واستشرى بجسدها المرض .
ظلّت تبكي ليلها ونهارها .
يقبل بعض الجار نحو عليٍّ يحدّثونه :
ـ أنت تعلم مكانة فاطمة عندنا ، ولكن نحن بحاجة إلى الهدوء والراحة .
ـ ماذا تريدون ؟
ـ تعلم أنّ فاطمة عزيزة علينا ، ولكنّها تبكي الليل والنهار ، فلا أحد منّا يهنأ بالنوم، لا في الليل لنا قرار على فراشنا ولا في النهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا، وإنّا نخبرك أن تسألها، إمّا أن تبكي ليلاً أو نهاراً !
في الليل ينعقد مجلس في إحدى زوايا المدينة .
ـ ذهبت فاطمة إلى البقيع للبكاء ، إنّ هذا يشكّل خطراً علينا !
ـ نعم ، إلى حدّ أمس كانت فاطمة تبكي في بيتها ، ولكنّها اليوم ذهبت إلى البقيع ، لا ندري كيف ستسير الأُمور إذا ما فَهِم الناس .
ـ ماذا يجب أن نفعل ؟
ينتشر الخبر في المدينة أنّ المرض قد تفاقم على فاطمة ، فلا تستطيع الخروج من بيتها .
تدخل عليها نساء المدينة لعيادتها .
يجلسن بقربها فيسألنها عن حالها .
فتقول لهنّ : أصبحتُ واللهِ عائفةً لدنياكنّ، قاليةً لرجالكنّ ، فَقُبحاً لفلول الحدّ واللَّعِبِ بعد الجِدّ ، وبئسما قدّمت لهم أنفسهم أن سَخِط اللهُ عليهم وفي العذاب هم خالدون ، فجدعاً وسُحقاً وعقراً وبُعداً للقوم الظالمين[۲۰۷]
وتسوء حال فاطمة يوماً بعد آخر .
والكلّ يعلم أن هي إلاّ أيّام قلائل، فتنطلق روح فاطمة تاركةً دنياهُم الضيقّة، و محلّقةً في أُفق السماء الإلهيّة العالية.
والكلّ يعلم أيضاً أنّ فاطمة ساخطة على أبي بكر ، لذا يجب فعل شيء .
يصل الخبر إلى الخليفة أنّ فاطمة تعيش أيّامها الأخيرة ، فيقرّر عيادتها ، عسى أن ترضى عنه .
يخبر عليٌّ أبا بكر أنّه يمكنه المجيء إلى بيته .
انظر ، يدخل أبو بكر وعمر بيت علي .
تردّ فاطمة جواب سلامهما ضعيفاً ، ولكنّها معرضة بوجهَها عنهما إلى الحائط[۲۱۲] ينظر عمر نحو أبي بكر فيطلب منه التكلّم.
يتوجّه الخليفة نحو المسجد ، وهو لايزال يبكي .
كان يفكّر مع نفسه: هل تساوي رئاسة أيّام قلائل ما فعله بفاطمة من إغضابها ؟!
يتعجّب الناس، الخليفة يبكي ؟! يقتربون منه يسألونه :
ـ ماذا حصل أيّها الخليفة ، لماذا تبكي ؟
وتسوء حال فاطمة لحظة بعد لحظة ، فتارةً يُغمى عليها وتارةً تُفيق .
إنّها مستعدّة الآن للتحليق نحو السماء ، تريد الذهاب لرؤية أبيها العطوف .
الليلة هي ليلة الثالث عشر من شهر جمادى الأُولى .
خلال هذه المدّة عانت ما عانت فاطمة من الألم والحزن والبلاء .
ليس هناك أفضل من هذا الوقت لتبدي فاطمة لواعجها لعلي .
يأخذ علي برأس فاطمة يضمّه إلى صدره وهو ينحب .
بعض قطرات دموعه تنساب فوق وجهها .
فتفتح عينيها وتقول له :
اليوم الثالث عشر من جمادى الأُولى ، بعد مضيّ خمسة وسبعين يوماً على وفاة أبيها .
يقدم البعض لزيارة فاطمة ، ولكنّها طلبت أن لا يدخل عليها اليومَ أحد .
تريد أن تبقى وحدها في آخر يوم من حياتها[۲۳۱] سلمى بقرب فاطمة .
الله أكبر ، الله أكبر .
أذان الظهر ، لأذهب وأوقظ فاطمة للصلاة .
تنادي سلمى على فاطمة ، فلم تجبها .
يابنت نبي الله ! فلم تجبها .
يتوجّه عليٌّ وولداه نحو المسجد .
فيضجّ الناس بعد سماع خبر وفاة فاطمة .
ويتصايحن نسوة المدينة بالبكاء والعويل .
مَن هذه المرأة القادمة ؟
يخيّم الظلام على المدينة ، ويغطّ أهلها في نوم عميق .
ولكنّ الجميع الليلة في بيت علي مُسهّر مُسَهَّد .
علي وسلمى وفضّة ويتامى فاطمة الأربعة .
يغسل علي جسد فاطمة ، يساعده آخرون .
في جُنح الظلام يلتفت علي نحو وَلَده الحسن فيطلب منه الذهاب لإخبار أبي ذر أنْ قد حان وقت تشييع فاطمة .
نعم ، يريد علي دفن فاطمة ليلاً[۲۴۶] يذهب الحسن والحسين إلى بيت أبي ذر[۲۴۷] ويدور أبو ذر حول بيوت سلمان والمقداد وعمّار والعبّاس عمّ النبيّ وحُذيفة، يخبرهم بخبر علي[۲۴۸]
يجلس علي بقرب القبر باكياً .
ماذا يفعل ؟ أثقلَهَ حزن كبير ، دفن بيده توّاً ركنَه الثاني بعد رسول الله.
تجري دموعه على خديه فيما يغصّ بعبرته ، ويتأوّه بحرقة .
الآن لمن يبثّ همّه ويشكو لواعجه ؟
الكلّ وقوف ينظرون إلى علي بحزن.
يتقدّم أحدهم يأخذ بعضد علي ويرفعه عن قبر الزهراء .
ويأخذ العبّاس عمّ النبيّ بيد علي ينهضه[۲۵۷] فكان آخر ما قاله لها : فإن أنصرفْ فلا عن مَلالة، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين ، الصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلتُ المُقام عند قبرك لزاماً، والتلبّث عنده معكوفاً[۲۵۸]
ينتظر الخليفة في المسجد المجيء بجنازة فاطمة للصلاة عليها .
ويتوافد الناس إلى المسجد للمشاركة في الصلاة عليها .
يَشِيع بين الناس خبرٌ مفاده أنّ عليّاً دفن فاطمة ليلة أمس !
يتوجّه الناس إلى البقيع لزيارة قبر فاطمة ، وإذا بهم يواجهون أربعين قبراً جُدُداً .
يصل الخبر إلى علي في بيته أنّ عمر يريد نبش قبر فاطمة .
يهبّ عليٌّ واقفاً كالأسد الغضبان .
يتناول سيفه ذا الفَقار ، ويخرج من البيت وقد احمرّت عيناه.
فيتلقّاه عمر ومَن معه من أصحابه ويقول له : ما لك يا عليّ ؟ والله لننبشنّ قبرها ولنصلّينّ عليها .
۱ . الاستيعاب فى معرفة الأصحاب ، يوسف بن عبد الله القُرطُبي المالكي (ت ۳۶۳ هـ ) ، تحقيق : علي محمّد معوّض وعادل أحمد عبد الموجود ، بيروت : دار الكتب العلميّة ، الطبعة الاُولى، ۱۴۱۵ هـ .
۲ . أُسد الغابة في معرفة الصحابة ، أبو الحسن عزّ الدين علي بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري (ت ۶۳۰ هـ ) ، تحقيق : علي محمّد معوّض وعادل أحمد ، بيروت : دار الكتب العلمية ، الطبعة الاُولى ، ۱۴۱۵ هـ .
۳ . الإصابة في تمييز الصحابة ، أبو الفضل أحمد بن علي بن الحجر العسقلاني (ت ۸۵۲ هـ ) ، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود ، وعلي محمّد معوّض ، بيروت : دار الكتب العلميّة ، الطبعة الاُولى ، ۱۴۱۵ هـ .
۴ . الأصفى في تفسير القرآن ، محمّد محسن الفيض الكاشاني (ت ۱۰۹۱ هـ ) ، تحقيق : مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، قمّ : مكتب الإعلام الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، ۱۳۷۶ ش .