يتبسّم أبو بكر فرحاً ، ظنّاً منه أنّه أفحم فاطمة بجوابه هذا .
لم يكن أحد يتصوّر أنّ بمقدور فاطمة أن تردّ على الخليفة .
ولكنّ فاطمة فضحت الخليفة .
رفيقي العزيز في هذا السفر ، هل تذكر أنّي قلت لك أنّ فدكاً وهبها الله لرسوله، وبدوره وهبها الرسول لفاطمة ؟
قبل أيّام حينما جاءت فاطمة عند أبي بكر لاسترجاع فدك وطالبها أبو بكر بالشهود، فجاءت بأُمّ سلمة وعلي، فردّ شهادتهما .
والآن تدرك فاطمة أنّ أبا بكر لن يقبل شهادة أيّ شاهد ، لذا فقد جاءت من طريق آخر .
صرفت فاطمة النظر عن أنّ فدك ملكها منذ حياة النبيّ ، ونهضت في إثبات ملكيتها لفدك بطريق آخر .
هل تستطيع تخمين ما فعلت فاطمة ؟
بوركت ! كان تخمينك صحيحاً ، عن طريق الإرث .
انظر ، لو فرضنا أنّ النبيّ أصلاً لم ينحل فدكاً لفاطمة ، فإنّها طبقاً لقانون الإرث الإسلامي بعد وفاة النبيّ تكون إرثاً لفاطمة.
لا يمكن لأيّ شخص إنكار أنّ فدك عطية الله للنبي ، الكلّ يقبل بذلك .
إذن، فدك مِلك النبيّ ، وحينما مات النبيّ لم يكن عنده سوى بنت واحدة وبضعة نساء .
وطبقاً للشريعة الإسلامية لن تحصل نساء النبيّ علي شيء من فدك ، إلاّ على بضعة نخيلات منها .
فتكون جميع فدك من حصّة فاطمة ، وطبعاً تُقيَّم أثمان تلك الأشجار فيعطى، ثُمْنُ قيمتها لنساء النبيّ .
إذن ، فهذا شرع الإرث الإسلامي ، والكلّ يقبل به .
ولكنّ أبا بكر اليوم ينقل حديثاً موضوعاً عن النبيّ أنّ الأنبياء لن يتركوا خلفهم إرثاً .
طبقاً لهذا الحديث الموضوع فإنّ فدك تكون جزءاً من بيت مال المسلمين وليس لفاطمة حقّ فيها .
وصدّق الناس أنّ النبيّ حقّاً قال هذا الحديث ! وإذا بصوت فاطمة يدوّي في فضاء المسجد :
أنت تقول إنّ النبيّ قال: إنّ الأنبياء لا يورثون ، هل تقبل بالقرآن ؟
أليست هذه الآية من القرآن : (وَ وَرِثَ سُلَيْمَـنُ دَاوُدَ )
[189] هل قرأت قول زكريا في القرآن ؟ : (فَهَبْ لِى مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِى )
[190] فهل يرث يحيى زكريا ، وسليمانُ داوودَ ولا أرث أنا من أبي شيئاً ؟!
هل تدري ما تقول ؟! هل كان نبيّك عن كتاب الله صادفاً، ولأحكامه مخالفاً ؟! كيف يصير أنّه يعمل بخلاف القرآن ؟
افعلْ ما بدا لك ، فسيحكم الله بيني وبينك
[191] يتحيّر الناس من خطاب فاطمة، فيغرقون في صمت عميق ، يا لَلعجب ! قال نبيّهم أنّه سيكون بعدي قوم يَكذِبون علَيَّ !
وأوّل هؤلاء القوم خليفتهم المبجّل هذا !
ألم يقل النبيّ: "فما أتاكم عنّي فاعرضوه على القرآن ، فإذا خالفه فلا تقبلوه" .
أليس هذا واضحاً أنّ الخليفة ينسب إلى رسول الله مالم يقله ؟!
هل هناك فضيحة أشدّ من هذه يمكنك ذكرها لنا ؟
أيقظ خطاب فاطمة جميع من كان في المسجد .
نعم ، وصلت فاطمة إلى ماكانت تبغي إليه ، بواسطة فدك فضحت حقيقة هذه الحكومة أمام الناس ، ونجحت بذلك .
انتصرت فاطمة في معركتها هذه ، وسوف يظلّ صوتها وإلى الأبد يرنّ في أُذن التاريخ .
فكلماتها نوّرت طريق طلاّب الحقّ والحقيقة .
أصبحت صرخة فاطمة هذه شعار الأحرار في كلّ مكان وزمان .
وتلتفت نحو قبر أبيها وتتمثّل بهذه الأبيات:
* * *
* * *
فيضجّ المسجد بالبكاء والنحيب ، ولم يُرَ الناس أكثر باك وباكية منهم يومئذ
[193] وتترك فاطمة المسجد ، لقد أحقّقت الحقّ وأبطلت الباطل، وكشفت الأقنعة عن وجوه النفاق .