سيّدي الكاتب ، قلتَ لي أنّ دَخْل فاطمة السنوي سبعون ألف دينار ، ولكن لم تقل كيف ومن أين ؟
حسنٌ سؤالك هذا ، ولكن سؤالي الذي أطرحه عليك صديقي الوفي : هل سمعت باسم فدك ؟
فدك ! وما أدراك ما فدك !
فدك سيف فاطمة الغالب .
اسم فدك يصيب البعض برعب فيقشعرّ بدنه .
فدك ، القرية المعمورة ، ذات التربة الخصبة ، فيها عيون فوّارة ونخيل كثير ، بينها وبين المدينة ما يقرب من مئتين وسبعين كيلومتراً
[154] أعرف أنّك تحبّ أن أحكي لك قصّة فدك .
تعود أحداث فدك إلى السنة السابعة للهجرة ، أيّ قبل ثلاثة سنوات من رحيل النبيّ .
اجتمع يهود خيبر فصمّموا على الهجوم على المدينة .
ولكنّ النبيّ اطلّع على ما قرّروا عليه ، فتحرّك نحوهم بجيش جرّار .
حوصرت قلعة خيبر بواسطة الجيش الإسلامي .
يقترب الجيش الإسلامي من قلعة خيبر، ولكنّ بريق سيف مَرحب بطل اليهود أدخل الرعب في صفوف المسلمين ما جعلهم يفرّون من مواجهته .
وجد الجيش الإسلامي نفسه مجبوراً على التراجع، حينها صمّم النبيّ على إرسال علي لمحاربة بطل اليهود
[155] يُدوّي صوت علىّ في عنان السماء : أنا الذي سَمّتْني أمّي حيدرة
[156] ودارت حرب طاحنة بين هذين البطلين انتهت بقتل علي لمرحب .
يهجم علي على القلعة فيفتحها .
خيبر منطقة خضراء ، ذات نخيل وأرض يانعة ، قسّم النبيّ غنائم هذه المنطقة بين جند الإسلام
[157] على أطراف خيبر جماعة أُخرى من اليهود كانت تعيش في فدك .
كانوا قد تحالفوا مع يهود خيبر ، فقرّر النبيّ الهجوم عليهم ، كان ينتظر استراحة جند الإسلام ، ومن ثَمّ يكون الهجوم بهم ومعنوياتهم عالية .
وفي أحد الأيّام يتوجّه شيخ كبير نحو المعسكر يسأل عن النبيّ ، فيأخذه أصحاب النبيّ إليه .
إنّه سفير أهل فدك ، يحمل رسالة مهمّة من يهود فدك .
قال للنبي : يا محمد ، أرسَلَني أهل فدك لأعقد معك صلحاً ، يهبونك بموجبه نصفَ أرضهم فدك مقابل الانصراف عن الهجوم عليهم ، ويقبلون بحاكم من المسلمين عليهم .
يتفكّر النبيّ قليلاً ، ثمّ يوافق على هذا العرض
[158] كُتبت وثيقة الصلح ، ففرح جند الإسلام بذلك ، إذ ليس هناك حرب ، نعم ، سُلّمت قرية بدون حرب ولا جعجعة .
وفي الأثناء ينزل جبرئيل بهذه الآية الشريفة : (وَ مَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَ لاَ رِكَاب )
[159] نعم ، وهب الله فدكاً للنبي ، فدك أصبحت ملك النبيّ
[160] هذا حكم القرآن ، ولم يخالف أحد ، والجميع رضي بحكم الله .
أحبّ الله أن يهدي لنبيه الذي بذل كلّ هذه الجهود هدية .
نصب النبيّ على فدك من يتولّى أمرها، ثمّ عاد إلى المدينة .
اشتاق النبيّ إلى ابنته فاطمة ، ولذا ذهب من فوره إلى بيت فاطمة
[161] ولمّا دخل النبيّ البيت وجد أُمّ أيمن قد جاءت لزيارة فاطمة .
أُمّ أيمن واحدة من النساء اللواتي كانت تربطهنّ بآل بيت النبيّ رابطة المودّة والموالاة ، زوجها أحد كبار قادة جند الإسلام
[162] جلست فاطمة والحسن والحسين بقرب النبيّ ، ينظر النبيّ إلى أحبّته فيبتهج .
نعم ، سرور قلب النبيّ في هذه الدنيا في أهل بيته .
وإذا بجبرئيل ينزل ومعه هذه الآية المباركة : (وَ ءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ )
[163] ـ يا جبرئيل ، لو وضّحت لي الأمر.
تنصرم لحظات ، يعود جبرئيل .
ـ يا جبرئيل ماالخبر ؟
ـ يقول لك الله أنِ ادفع فدكاً لفاطمة نِحلةً
[164] ينظر النبيّ إلى فاطمة فيقول لها : ابنتي فاطمة ، أمرني ربّي أن أهبك فدكاً ، وأنا أهبك إيّاها
[165] نعم ، وهبت خديجة (أُمّ فاطمة) في بداية الإسلام كلّ أموالها وما تملك في سبيل حفظ الإسلام وإنقاذ المسلمين ، والآن يريد الله تعالى مكافأتها على ما أنفقته في سبيل الإسلام وذلك بتقديم هذا الفيء إلى ابنتها فاطمة .
أضحت فدك ملك فاطمة ، وسلّم النبيُّ كلَّ غنائم فدك .
فأرسلت فاطمة تدعو فقراء المدينة إلى بيتها .
فقسّمت جميع تلك الغنائم بينهم .
فرح جميع الفقراء بذلك ، نعم ، بوجود فاطمة لن يبقى فقير يعاني مرارة الفقر .
رفيقي في هذا السفر ، هذه قصّة فدك سردتُها عليك على عُجالة .
والآن تدرك أنّ فاطمة كانت ذات ثراء كبير .
صحيح أنّها الآن طريحة فراش المرض ، ولكنّها تعتزم على نصرة الحقّ بأموالها .
في هذه الأيّام ، يعود وكيلها على فدك حاملاً دَخْل هذه السنة ، تستطيع فاطمة بهذه الأموال أن تفعل أشياء كثيرة .
ولكن في زاوية من المدينة كان هناك اجتماع يُعقد .
كان أبو بكر وعمر وآخرون يحضرون فيه .
كان عمر منشغلاً بالحديث مع الخليفة :
يا خليفة رسول الله ، أنت تعلم أنّ الناس عبيد هذه الدنيا ، لا يريدون غيرها ، فامنع عن علي الخُمسَ والفيء وفدكاً ، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوا عليّاً رغبةً في الدنيا
[166] ـ ولكنّ فدكاً ملك فاطمة منذ أكثر من ثلاث سنوات ، والجميع يعلم ذلك .
ـ خطّطتُ لكلّ شيء ، يكفي أنّك تطرد وكيلها من فدك .
يوافق أبو بكر على رأي عمر ، فيأمر جماعة بالذهاب إلى فدك وطرد وكيل فاطمة وعمّالها من أرض فدك !