يصرخ عمر : علَيَّ بالحطب
[103] انظر هناك ، يجلب بعضهم الحطب لعمر
[104] يا إلهي ، ماذا يجري ؟! ماذا يريد أن يفعل هؤلاء ؟!
كلّ من كان تراه يحمل حطباً بيده ، وهم يتوجّهون في طريق واحد .
يَقْدمون نحو بيت فاطمة !
فأمر عمر فجُعل الحطب حول بيت فاطمة
[105] ياإلهي ماذا يحاولون فعله ؟
هل يريد عمر حرق هذا البيت حقّاً ؟ !
نعم ، يعتقد عمر أنّ أهل هذا البيت قد ارتدّوا عن الإسلام وخرجوا عن دين محمّد ، لذا لا بدّ من القضاء على الفتنة ، لأجل حفظ الإسلام يجب القضاء على أعداء الخليفة !!
وما هي إلاّ لحظات حتّى تجمّعت حُزَمٌ كثيرة من الحطب تحوط بيت فاطمة بانتظار الاشتعال .
انظر عمر ، يقترب وبيده قَبَس من نار
[106] أخذ يصيح : اضرموا عليهم البيت ناراً !
[107] لا أحدَ يصدّق ما يرى ويسمع ، بأيّ جرم وذنب يريدون حرق أهل هذا البيت ؟!
هنا بيت لا يدخله جبرئيل إلاّ بإذن من أهله ، هنا بيت تتمنّى الملائكة التشرّف بالهبوط فيه.
أيّها المسلمون ! هل نسيتم أنّ هذا الباب هو نفس الباب الذي كان يقف عليه النبيّ أربعين صباحاً مسلِّماً على أهله فيقرأ آية التطهير : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )
[108] نعم ، أهل هذا البيت بحكم هذه الآية معصومون ومطهّرون من المعاصي بإرادة من الله مؤكَّدة.
فلِمَ يريد عمر حرق هذا البيت وأهله بالنار ؟
أراد عمر القيام بعمل يجعل الناس يفكّرون ألف مرّة قبل أن يَقْدِموا على مخالفة الخليفة .
يجب حرق هذا البيت ، فالبيت الذي يجتمع فيه أعداء الخليفة لا بدّ من حرقه حتّى لا يمكن لأحد الاجتماع فيه
[109] نعم ، حينما يحرقون باب هذا البيت ، عندها لا أحد يمكنه التجرُّؤ على مخالفة الحكومة ، عندها يسلّم الناس للحاكم كان مَن كان!
وطالما عليٌّ لم يبايع فالحكومة في خطر ، فلا بدّ من إجبار عليّ على البيعة بأيّة وسيلة ، وإذا لم يفعل فيجب أن يُحرّق !
يقترب البعض من عمر فيقول له :
ـ في البيت فاطمة والحسن والحسين !
ـ وإن ! فليكن من يكون فيه ، فإنّي محرّق هذا البيت
[110] لم يتجرّأ أحد على منع عمر .
فهو صاحب منصب القضاء ، هو الآن صاحب أعلى سلطة قضائية وتنفيذية معاً في هذه الحكومة ، وقد أفتى بوجوب حرق هذا البيت لأجل حفظ الإسلام !
[111] يتقدّم عمر إلى الأمام ، فيضع القبس على الحطب ، فترتفع ألسنةُ اللهب في عنان السماء .
يحترق نصف الباب .
ثمّ يقترب عمر من الباب المحترق فيرفسه برجله بقوّة
[112] ياإلهي ! فاطمة خلف الباب ... .
إنّها حامل ، وهي الآن بين الحائط والباب ، يسمع الناس أنينها .
يدفع عمر الباب بقوّة مرّةً أُخرى فيرتفع ذلك الأنين في عنان السماء !
مسمار قد صُليَ بالنار ينبت في صدر فاطمة !
[113] أيّها القلم الكليل ، كُفَّ واخرس !
أيّ قلب يطيق ، وأيّ شخص يتحمّل هذا حتّى تقوم أنت بشرح صفعة على جبين حرمة الله العظمى ؟
ينفرط قرطها، وتسقط حبيبة رسول الله على وجهها
[114] صيحة تتعالى في أجواء المدينة البائسة :
ـ يا أبتاه ، يا رسول الله ، هكذا يُفعَل بحبيبتك وابنتك !
[115] ثمّ تستند إلى الحائط .
ويدخل عمر إلى البيت .
يسلّ خالد ـ الذي لقّبوه بسيف الإسلام ـ سيفَه فيَهمّ بقتل فاطمة .
واسَوأَتاه! يريد قتل فاطمة !!
هل تعلم لماذا يريد خالد أن يفعل ذلك ؟
قتل عليٌّ أباه في معركة بدر ، والآن يريد الانتقام لدم أبيه الجاهلي
[116] وأذا بعليٍّ يقترب حاملاً سيفه .
لا مجال للصبر بعد الآن ، صحيح أنّ النبيّ أمره بالصبر في المصائب ، ولكن ليس الصبر على هذا أيضاً .
وما أن يلمح خالد بريق سيف عليّ حتّى يولّي تاركاً سيفه
[117] تهمّ فاطمة بالعجّ إلى الله والدعاء بالويل والثبور .
ماذا سيحصل لو أنّها فعلت ؟
يقترب عليّ من زوجته فيقول لها : يا بنت رسول الله، إنّ الله بعث أباكِ رحمةً للعالمين ، وأيمُ الله لئن كشفت عن ناصيتك سائلةً ربّك ليُهلك هذا الخلق، لأجابك حتّى لا يُبقيَ على الأرض منهم بشراً
[118] فتهدأ فاطمة لكلام عليّ ، نعم ، فهي مطيعة لإمام زمانها .