يصل الخبر إلى فاطمة أنّ الخليفة يسيء إلى علي من على منبر أبيها .
يوجع ذلك الكلام قلب فاطمة ، فيستولي عليها الغمّ والألم .
ويزداد مرضها ، ويزداد بها الشوق للقاء أبيها .
لو ذهبتَ إلى بيتها وألقيت نظرة على مولاتك فاطمة ، لرأيت رأسها معصوباً دوماً .
كانت كلّما رأت الحسن والحسين يسيل دمعها مدراراً .
كانت رؤيتهما تهيّج بها الشوق للأيّام الخوالي ، والذكريات الحلوة .
حتماً تسأل أيّ ذكريات ؟
استمع إلى كلام فاطمة وستعرف .
ـ أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّةً بعد مرّة؟ أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقةً عليكما ؟ فلا يدعكما تمشيان على الأرض، ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً، ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما
[199] وتنصرم الأيّام ، وتهيج الذكريات بفاطمة ، فتشتاق لسماع أذان بلال .
رحم الله تلك الأيّام !
حينما كان يؤذّن بلال للصلاة ينهض أبي من فوره إلى الوضوء ، ويتوجّه نحو المسجد للصلاة.
أشتهي سماع صوت مؤذّن أبي بالأذان.
كان بلال مؤذن النبي قد امتنع عن الأذان بعد النبيّ .
بلغه رغبة فاطمة.
يجيء بلال إلى المسجد ويتهيّأ للأذان ، وذلك نزولاً عند رغبة فاطمة، فأحبّ أن يسعد قلبها المفجوع .
الله أكبر ، الله أكبر .
ذكرت أباها وأيّامه، فلم تتمالك نفسها عن البكاء .
ولمّا بلغ إلى قوله: أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، شهقت وسقطت لوجهها وغُشي عليها ، فقال الناس لبلال: أمسكْ يا بلال ! فقد فارقت ابنة رسول الله الدنيا! وظنّوا أنّها قد ماتت ، فقطع أذانه ولم يُتمَّه
[200]