يجلس علي بقرب القبر باكياً .
ماذا يفعل ؟ أثقلَهَ حزن كبير ، دفن بيده توّاً ركنَه الثاني بعد رسول الله.
تجري دموعه على خديه فيما يغصّ بعبرته ، ويتأوّه بحرقة .
الآن لمن يبثّ همّه ويشكو لواعجه ؟
اسمع ، لكأنّ عليّاً يناجي أحداً:
"السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك مِنِ ابنتك وحبيبتك وقرّة عينك وزائرتك ، قَلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وضعف عن سيّدة النساء تجلّدي ، قد استُرجِعَت الوديعة وأُخذت الرهينة واختُلست الزهراء، فما أقبحَ الخضراء والغبراء يا رسول الله ، وستُنْبئك بتظاهر أُمّتك علَيّ وعلى هضمها حقَّها ، فاستَخْبِرْها الحال
[255] نعم ، سلّم إلى النبيّ أمانته .
تذكّر ذلك اليوم الذي وضع فيه النبيّ يد فاطمة بيده وقال له : يا علي، هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمّد عندك، فاحفَظِ اللهَ واحفظني فيها ، وإنّك لفاعله
[256] ويختنق بعبرته مرّة أُخرى ، ماذا سيقول للنبي لو سأله : يا علي ، حينما سلّمتك هذه الأمانة لم يكن ضلعها مكسوراً ولا كتفها مسودّاً!