يتحرّك قنفذ ومعه جماعة نحو بيت عليّ .
طَرَقات على باب بيت علي ، فيهبّ عليّ خارجاً .
ـ ما تبغون منّي ؟
ـ يا عليّ ، أسرِعْ إلى المسجد ; فخليفة رسول الله يطلبك .
ـ أوَ نَسِيتم أنّي أنا خليفةُ رسول الله ؟!
فلم يَحرْ قنفذ جواباً ، ويؤوب نحو المسجد .
يرى أبو بكر أنّ قنفذاً قد عاد ولم يكن معه عليّ، يقول له :
ـ أين عليّ ؟ لماذا لم تجلبوه ؟
ـ لمّا طلبتُ منه إجابة خليفة رسول الله قال : ما خلّف رسولُ الله أحداً غيري
[64] يتذكّر كلّ من كانوا في المسجد يسمعون كلام نبيّهم ، نعم ، لطالما كرّر النبيّ على هذا المنبر الذي يجلس عليه أبو بكر الآن أنّ عليّاً هو خليفة رسول الله من بعده !
يصيب التردّدُ قلوبَ الحاضرين ، فيأخذون يحدّثون أنفسهم : كيف نَسِينا كلام رسول الله بهذه السرعة ؟!
ينظر عمر نحو جموع الحاضرين ، فيخشى أن يبعث كلام عليّ هذا على استيقاظ هؤلاء القوم من غفوتهم وتغافلهم.
لذا يلتفت نحو أبي بكر رافعاً من صوته : واللهِ لن تُخمَد هذه الفتنة إلاّ بقتل عليّ، فخَلِّني آتِك برأسه !
[65] يصيب الهلع الحاضرين ، هل حقّاً سينفّذ عمر ما قال ؟
يطلب أبو بكر من عمر الجلوس ، ولكنّه يرفض ، فيقسم عليه بالجلوس فيجلس
[66] يلتفت أبو بكر نحو قنفذ فيقول له : انطلق إلى عليّ وقل له: أجِبْ أبا بكر ، فإنّ الناس قد أجمعوا على بيعتهم إيّاه ، وإنّما أنت رجل من المسلمين ، لك ما لهم وعليك ما عليهم ، فهَلُمَّ إلى المسجد وبايع
[67] ويذهب قنفذ مرّة أُخرى إلى بيت علي يرافقه ـ هذه المرّة ـ عشرة أشخاص .
ـ يا عليّ ، أجب أبا بكر واحضَرْ معنا إلى المسجد لتبايعه .
ـ إنّ رسول الله أوصاني إذا واريتُه في حفرته أن لا أخرج من بيتي حتّى أُؤلّف كتاب الله
[68] انظر ، بعد أن يُكمل عليّ جملته يدخل بيته ويُغلق الباب .
نعم ، بعد أن جفا الناسُ عليّاً ، آثر الجلوس في بيته والصبر لأجل حفظ الإسلام .
رحل النبيّ عن هذه الدنيا ولا زال القرآن لم يُجمع بعد ، صحيح أنّ البعض كان يفكّر في الرئاسة وحكومة الدنيا ، ولكنّ عليّاً كان يفكّر في القرآن وحفظه من الضياع والتشويه .
يرجع قنفذ إلى المسجد وينقل كلام عليّ إلى أبي بكر .
ينزعج معارضو عليّ ، لن يستطيعوا إخراج عليّ من بيته بالقوّة بعد ذلك ، فالجميع يعرف الآن أنّ عليّاً منشغل بجمع القرآن ، فمزاحمة عليّ يعني مزاحمة القرآن .
فلم يكن من بُدّ سوى الانتظار حتّى يفرغ عليّ من جمع القرآن .