وتسوء حال فاطمة يوماً بعد آخر .
والكلّ يعلم أن هي إلاّ أيّام قلائل، فتنطلق روح فاطمة تاركةً دنياهُم الضيقّة، و محلّقةً في أُفق السماء الإلهيّة العالية.
والكلّ يعلم أيضاً أنّ فاطمة ساخطة على أبي بكر ، لذا يجب فعل شيء .
يصل الخبر إلى الخليفة أنّ فاطمة تعيش أيّامها الأخيرة ، فيقرّر عيادتها ، عسى أن ترضى عنه .
طرقات على الباب ، تفتح فضّة خادمة فاطمة ، فترى أبا بكر وعمر .
ـ جئنا لعيادة فاطمة .
ـ اصبرا حتّى أُخبرها بذلك .
تتوجّه فضّة إلى مولاتها ، يفرح الخليفة كثيراً ، يقول في قرارة نفسه : سوف أُرضي عنّي فاطمة ببضعة كلمات .
ترجع فضّة فتقول لهما : إنّ فاطمة لن تأذن لكما بالدخول .
فيظنّا أنّ أُموراً خاصّة تشغلها ، فيرجعانِ ويعودانِ من غدهم .
وهذه المرّة لم تأذن لهما أيضاً .
فيعودانِ مرّة ثالثة، ولكن لا فائدة .
ـ ماذا نفعل الآن ؟
ـ نكلّم عليّاً ، ونأخذ منه الإذن بالدخول .
قارئي العزيز ، هل سيفعل علي ذلك ؟
انظر ، يكلّم الخليفة عليّاً .
ـ ياعلي ، متى تكفّ عن معاداتنا ؟
ـ ماذا حصل ؟
ـ نحن نعلم أنّك نوّهتَ لفاطمة أن لا تأذن لنا بالدخول عليها ، أليس لنا الحقّ في رؤية ابنة نبيّنا لنطلب رضاها ؟
ـ سوف أُكلّم فاطمة بذلك .
ياتُرى هل ستأذن فاطمة للخليفة بالدخول هذه المرّة ؟
انظر ، يقف علي أمام فراش فاطمة وينظر إلى وجهها الشاحب ، لم يبق من فاطمة سوى مجموعة عظام .
تفتح فاطمة عينَيها فتجد عليّاً واقفاً عند رأسها .
إنّها تعرف عليّاً جيّداً ، تعرف أنّ نظرته هذه لها معنىً خاصّ .
ـ يا علي ، هل تريد أن تخبرني بشيء ؟
ـ يا بنت رسول الله، قد كان من هذينِ الرجلينِ ما قد رأيتِ، وقد تردّدا مراراً كثيرة ورددتِهِما ولم تأذني لهما، وقد سألاني أن أستأذن لهما عليكِ .
ـ والله لا آذن لهما ولا أكلّمهما كلمةً من رأسي حتّى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه منّي.
ـ فإنّي ضمنت لهما ذلك .
ـ هل تحبّ أن آذن لهما ؟
ـ نعم
[210] ـ يا عليّ ، البيت بيتك، والنساء تتبع الرجال، لا أُخالف عليك بشيء، فأْذَنْ لمن أحببت .
انظر، كيف أنّ فاطمة تتنازل عن رأيها لإسعاد زوجها .
قسماً بالله لم أرَ عشقاً أجمل من عشق فاطمة لعلي
[211]