يقول أبو بكر لعليّ : ليس لك إلاّ أن تبايع .
اسمع عزيزي القارئ ، ما أجمل جواب مولاك عليٍّ لأبي بكر : يا أبا بكر ، لن أُبايعك ، وأنت أولى بالبيعة لي
[135] ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله ؟ ماذا جرى حتّى نقضتَ بيعتك ؟!
[136] يا أبا بكر، سمعتُ أنّك احتججت على الناس بالقرابة من رسول الله ، وأنا أحتجّ عليك بمثل ما احتججت به عليهم ، وأنت تعلم أنّي أقرب الناس إلى رسول الله
[137] فيُطْرق أبو بكر بعد أن لم يَحِر جواباً .
رفيقي في هذا السفر ، هل تذكر أنّ أبا بكر في السقيفة كان قد ذكر قرابته من النبيّ ، وبهذه الطريقة استطاع مخادعة الناس بالبيعة له ؟
فإذا كان للقرابة من النبيّ امتياز الشرعية للخلافة ، فعليٌّ أقربهم من النبيّ ، فهو ابن عمّه وهو الشخص الوحيد الذي آخاه النبيّ مع نفسه .
انظر مولاك كيف يكلّم أبا بكر ويحاججه فيما يداه مكبّلتان والسيف مصلتٌ فوق رأسه !
حقّاً أنّ ذلك صبرٌ عظيم مقابل كلّ هذه المصائب وهذه الويلات ، وهو الآن يلخّص أحقّيته بهذين البيتين من الشعر .
ها هو عليّ يدافع عن حقّه بالشعر ، ويسجّل موقفه للتاريخ .
عندي أُمنيّة ، لا أدري أقولها هنا أم لا ؟ ولكن لك أنت صديقي العزيز أُعلنها; ليت جميع الشيعة يحفظون هذا الشعر .
هذا صوت عليّ يخرج من حنجرة التاريخ ، يُثبت حقّ الإمامة والخلافة لأهل البيت عليهم السلام وإلى الأبد .
اسمع :
* * *
* * *
يا أبا بكر ، إذا كنت تدّعي أنّك أمسكتَ زمام هذا الأمر بالشورى ، فلِمَ لم تستشر بني هاشم ؟ وإذا كنتَ بالقرابة نلت هذا المقام ، فهناك غيرك من هو أقرب من النبيّ .
أثار كلامُ عليّ دفائن عقول الناس فأطرقوا يتفكّرون ، حقّاً ما أمتن كلام المولى عليّ !
انظر ، يلتفت جماعة ممّن حضر المسجد إلى عليّ بعد كلامه ذاك فيقولون له : يا عليّ ، لو كنّا سمعنا هذا الكلام منك قبل الانضمام لأبي بكر في السقيفة ، لما بايَعْنا غيرَك
[139] فيقول لهم عليّ : يا هؤلاء ! أكنتُ أدَعُ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مسجّىً لا أُواريه وأخرج أُنازعه في سلطانه ؟!
[140] تعلّلوا بعدم مجيء عليّ إلى السقيفة لتبرير موقفهم ذاك ، ولكنّ عليّاً كان يحاججهم ببيعتهم له قبل ذلك : ليس بعد يوم الغدير حجّة لأحد
[141] نعم ، لقد جمع النبيّ المسلمين يوم غدير خمّ وأمرهم بالبيعة لعليّ .
الآن عليّ يسيطر بكلامه على المسجد ، هؤلاء جاؤوا بعليٍّ كالأسير ، وإذا بهم يُضحَون أسرى منطقه وكلامه وحُجّته!
ويضجّ المسجد بأهله ، وترتفع الأصوات من هنا وهناك ، يتذكّر الناس يوم الغدير فيصيبهم الندم والأسف والخزي ، إذ ما أسرع ما نسوا كلام نبيّهم أو تَناسَوه!
يرى عمر صيرورة الأمر لغير ما يحبّ ، فيقوم من مكانه ويقف أمام أبا بكر صائحاً : ما يُجلسك فوق المنبر لا تقول شيئاً ! أو تأمر به فنضرب عنقه ؟!
[142] فيدبّ الخوف من جديد في أوصال الناس ، وترتفع السيوف بيد أصحاب الخليفة .
يهدأ الجميع ، فكلّ من يعترض سيُواجِه تلك السيوف .
ترتفع أصوات بكاء .
من أين تأتي هذه الأصوات ؟
انظر ، إنّهما الحسن والحسين يبكيان بعد سماع تهديد عمر لأبيهما .
فينحني عليّ عليهما ويضمّهما إلى صدره ويقول لهما : لا تبكيا ، يانور عينَيّ
[143] وتبكي الملائكة لرؤية دموع الحسن والحسين .