ينتشر الخبر في المدينة أنّ المرض قد تفاقم على فاطمة ، فلا تستطيع الخروج من بيتها .
تدخل عليها نساء المدينة لعيادتها .
يجلسن بقربها فيسألنها عن حالها .
فتقول لهنّ : أصبحتُ واللهِ عائفةً لدنياكنّ، قاليةً لرجالكنّ ، فَقُبحاً لفلول الحدّ واللَّعِبِ بعد الجِدّ ، وبئسما قدّمت لهم أنفسهم أن سَخِط اللهُ عليهم وفي العذاب هم خالدون ، فجدعاً وسُحقاً وعقراً وبُعداً للقوم الظالمين
[207] فيبكين نساء المدينة لكلام فاطمة .
ويذهبن إلى أزواجهنّ فيُخبرنَهم أنّ فاطمة ساخطة عليهم .
أنتم سمعتم نبيَّكم يقول : "فاطمةُ بَضعةٌ منّي، مَن آذاها فقد آذاني" فاذهبوا إلى فاطمة واطلبوا رضاها
[208] ويسقط ما بيدِ رجال المدينة، فبالنتيجة يجب أن يستمعوا لكلام نسائهم .
انظر ، يتوجّه كبار المدينة إلى بيت فاطمة .
يريدون طلب المغفرة والسماح من فاطمة .
طرقات على الباب، يفتح علي .
يرى قوماً من كبار المهاجرين والأنصار جاؤوا لعيادة فاطمة .
فيجلسون قبالتها ويقولون لها : يا سيّدة النساء ، لو كان علي ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نُبرم العهد ونُحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره !
فقالت ممتعظة: إليكم عنّي! فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم.
نعم ، يريد هؤلاء إلقاء اللوم على علي لعدم حضوره السقيفة !
ولكنّهم كانوا يعلمون أنّ عليّاً كان مشغولاً في تلك اللحظات بتغسيل النبيّ ، فهل من الوفاء أن يترك النبيَّ مسجّىً ليحضر السقيفة فينازع القوم فيها؟!
أليس هؤلاء الناس هم أنفسهم الذين بايعوا عليّاً في غدير خمّ ؟ ماذا حصل فنقضوا عهدهم ؟!
ألم تتوجّه فاطمة ومعها بعلها وولداها بعد السقيفة بأيّام ثلاثة إلى بيوت الناس تطرقها باباً باباً تطلب نُصرتَهم ووقوفهم إلى جانبها ؟ لماذا لم يجيبوها ؟!
هؤلاء الناس يتعلّلون بالأعذار لعدم وفائهم ، وهم أنفسهم يعلمون أنّ عذرهم هذا قبيح مثل ذنبهم !
فتلتفت فاطمة نحوهم وتقول لهم : إليكم عنّي، لا أُريد رؤيتكم ، ولا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم
[209] فيُطأطئ الجميع برؤوسهم إلى الأرض ; إقراراً بنكثهم وخزيهم الذي لا يُرحَض!