سایت استاد مهدي خداميان آرانی
۱۰۱۵. کتاب إلى الرفيق الأعلى | |
تعداد بازديد : | ۱۹ |
موضوع: | كتب عربى |
نويسنده: | مهدى خداميان |
زبان : | عربی |
سال انتشار: | چاپ اول، ۱۳۸۵ |
انتشارات: | وثوق، قم |
در باره کتاب : | أحداث الأيام الأخيرة من عمر نبيّ الاسلام(ص) |
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أدري ، هل أمعَنتَ النظر في أوراق الأشجار الصفراء في الخريف ، وقد اصطبغ كلّ شيء باللّون الأصفر ، ففاحت من الوديان رائحة الرحيل المحزنة ؟
أنا أيضاً لاحظت ذلك ، لذا سأصوّر لك في هذا الكتاب ما لاحظته في أعماق مخيلتي عن أيّام خريف المدينة في حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) .
هل تدري كم كانت قاسيةً أيّامُ خريف المدينة على النبيّ ؟
هل تعرفني ؟
اسمي زينب ، وأنا يهودية ، لن تعثر على شخص قد ملأ الحقد قلبَه على نبيّ الإسلام محمّد مثلي !
هل تتعجّب ؟
يحقّ لك أن تتعجّب ; لأنّك لا تدري أنّ أعزّ مَن كان في حياتي قد قُتل على يدَيه ; زوجي ، أخي ، عمّي[۲]
زينب تلك المرأة اليهودية ، تَقْدم نحو المدينة حاملةً معها سمّاً فتّاكاً ; تنوي أن تسمّ به النبيّ .
تدخل زينب المدينة وعليها ثياب المسلمات .
وكانت تتحقّق حول علاقة النبيّ بأيّ نوع من الطعام يرغبه أكثر من غيره .
فكانت تسأل كلّ شخص تلاقيه : أرغب في أن أهدي إلى رسول الله شاةً مقليّة ، فهل تعلم أيّ عضو من الشاة هو أحبّ إليه ؟
بعد سويعات يصل الخبر إلى النبيّ بمرض بِشْر ، اصفرّ لونه وأصابته حمّى شديدة .
يا إلهي ، ماذا حصل ؟
يأتونه بطبيب يكشف حاله ، فتعلن ملاحظات الكشف عن مسمومية بِشْر من الطعام .
ولم تمضِ سوى سويعات حتّى يفارق بِشْر الحياة[۱۰]
يصل النبيّ المدينة ، يحلّ شهر الله شهر رمضان ، وكان النبيّ يعتكف كلّ سنة في العشرة الأواخر من هذا الشهر الفضيل ، ولكنّه هذا العام اعتكف العشرة الثانية والثالثة .
لم يكن النبيّ قد أوضح تعاليم الحجّ لأصحابه بعد ، ولذا صمّم على السفر إلى مكّة وأداء الحجّ الإبراهيمي .
يقرّر النبيّ في هذا السفر إزالة قوانين الحجّ التي سنّها المشركون فجعلوها من أفعال الحجّ ، وتعليمَ الجميع الحجّ الحقيقي .
يلتفت النبيّ في أحد الأيّام إلى المسلمين قائلاً : لا أدري، لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا[۱۴]
يرجع النبيّ إلى المدينة ، ويهلّ شهر محرّم .
تسوء حال النبيّ يوماً بعد يوم من أثر ذلك الطعام المسموم الذي أهدته إليه زينب اليهودية .
يسقط النبيّ لأيّام عديدة طريحَ فراش المرض .
اليوم هو يوم الثامن والعشرين من المحرّم ، يَقْدم بعض الأصحاب إلى بيت النبيّ لعيادته .
اليوم هو التاسع من صفر (سنة إحدى عشرة للهجرة)، يرسل النبيّ بلالاً في طلب عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) .
يذهب بلال نحو بيت عليّ(عليه السلام) فيخبره بطلب النبيّ له وأنّه يريد لقائه.
الآن علي(عليه السلام) جالس بقرب النبيّ ، والنبيّ يقول له : يا عليّ ، إنّ جبرئيل أتاني من عند الله برسالة .
ـ وماذا في هذه الرسالة ؟
وتنصرم الأيّام ، وتظهر آثار المرض على بدن النبيّ .
يستدعي النبيّ بلالاً ويطلب منه أن يؤذّن في الناس للاجتماع في المسجد .
يشيع الخبر في المدينة أنّ النبيّ عنده خطاب مهمّ .
يغصّ المسجد بالناس ، يدخل النبيّ .
يصل الخبر إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الروم ينوون الهجوم على المدينة .
لذا يعيّن أُسامةَ لقيادة الجيش الإسلامي، ويأمره بالتعسكر بالجُرْف ، ويطلب من المسلمين الالتحاق بمعسكر أُسامة[۲۷] والجُرف موضع على بعد ستّة كيلومترات من المدينة، وهناك عسكر أُسامة حيث ينبغي أن تلتحق به أفواج المسلمين[۲۸] ظلّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكّد مراراً وتكراراً على الإسراع بتجهيز جيش أُسامة والالتحاق به، والتحرّك جهة الحدود مع الروم .
مَن هذه المرأة التي تتجّه صوب بيت النبيّ ؟
هل عرفتها ؟ إنّها أُمّ بِشْر ، أُمّ ذلك الشخص الذي قضى نحبه شهيداً من ذلك الطعام المسموم .
أُمّ بِشْر قلقة على حال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فجاءت تزوره .
تدخل حجرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فتراه ممدّداً على فراش المرض ، قد اصفرّ لونه وارتفعت حرارته .
الليلة هي ليلة الأربعاء ، الثالث والعشرون من صفر ، يرتفع صوت المؤذّن ، فيجتمع الناس في المسجد انتظاراً لقدوم النبيّ ليصلّي بهم الجماعة كالعادة .
يطول الانتظار ولا خبر عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، يبدو أنّ حال النبي غير سارّة .
يدخل عليّ(عليه السلام) المسجد، ويقف في المحراب مصلّياً بالناس[۳۱] نعم ، عليّ قائم مقام النبيّ ، وهم قد بايعوه على ذلك يوم غدير خمّ .
بعد منتصف الليل ، النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في حال استراحة .
وفجأةً ، يثب من نومته ! يا إلهي ، ما سبب هذا الذي يعانيه النبيّ ؟ !
يرسل في طلب بعض أصحابه ، فيحضر عليّ(عليه السلام) وبضعة أنفار عنده .
يطلب النبيّ من هؤلاء أخذه إلى البقيع .
يذهب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيته، ويتفرّق من كان معه ... وبعد ساعة .
الله أكبر ! الله أكبر !
إنّه صوت بلال يملأ الآفاق .
يتوجّه الناس مسرعين صوب المسجد لأداء صلاة الصبح خلف النبيّ .
يتوجّه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت زوجته أُمّ سلمة، فيلزم الفراش هناك .
لا بدّ أنّك سمعت باسم أُم سلمة ، تلك المرأة التي كان يطفح قلبها بحبّ الزهراء(عليها السلام) ، وتدافع دوماً عن الوصي عليّ(عليه السلام) .
تلك التي نزلت في بيتها آية التطهير ، جزى الله خيراً ذلك اليومَ الذي كان النبيّ في بيتها ، لمّا التفت نحوها قائلاً : يا أُمّ سلمة ، اذهبي وارسلي بطلب عليّ وفاطمة والحسن والحسين أن يأتوا ها هنا[۴۱] فتنهض أُم سلمة من مكانها متوجّهةً نحوهم ، فلمّا دخل هؤلاء البيت نهض لهم النبيّ باحترام وأجلسهم إلى جنبه .
اشتاق النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عليّ(عليه السلام) ، ضاق صدره لطول مكوثه في بيت عائشة دون أن يرى عليّاً .
ليتني كنت أعلم كيف كان حال عليّ في ذلك الوقت ، وقد ضاق صدره أيضاً لفراق الحبيب .
يجيل النبيّ طرفه فيما حوله ، يبصر عائشة وبعض الأفراد يحيطون به ، ولكنّ قلبه عند عليّ .
يلتفت نحو عائشة قائلاً : ادعوا لي أخي ، أُريد رؤية أخي !
يصل خبر مرض النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) سريعاً إلى معسكر أُسامة ، فيتسلّل كثير من المسلمين واحداً تلو الآخر نحو المدينة .
اليوم هو يوم الخميس ، خمسة وعشرون يوماً مضى من صفر ، يجتمع ما يقارب من ثلاثين نفراً في بيت النبيّ[۵۱] جاؤوا لعيادته ، كانت دموع بعضهم تنساب على خدّيه حسرةً .
يلتفت النبيّ نحو أصحابه ويقول لهم : ائتوني بدواة وكتف ; أكتبْ لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً .
اليوم هو يوم الجمعة ، والناس يتوافدون نحو المسجد ، والكلّ يحدّث نفسه : هل سيجيء النبيّ إلى المسجد ؟ هل سيسمعون خطبته ؟
يشتدّ المرض على النبيّ ، وتزداد عليه الحمّى فتثقله ، ويأخذ السمّ مأخذه من بدنه الشريف ، فيصفرّ له لونه[۶۳] ولكن كلّ هذا لم يمنعه أن يُلقي على أُمّته آخر خطبة له في هذه الحياة الدنيا، لتكون خطبةَ وصيّة ووداع وفراق .
يطلب من المقرّبين إليه نَزْحَ سبع قِرَب من ماء بئر .
يدور الخبر في المدينة أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يريد لقاء الأنصار .
أظنّك تتساءل: مَن هم الأنصار .
لمّا اشتدّ أذى مشركي مكّة للمسلمين وتعذيبهم ، طلب أهل المدينة من النبيّ أن يَقْدم عليهم .
فجاء النبيّ إلى المدينة ، فأضحى أهلها له خير أعوان وأنصار ، ودافعوا عنه بأنفسهم وأموالهم ، فسُمُّوا لذلك بالأنصار .
يشيع الخبر في سكك المدينة أنّ النبيّ دعا الأنصار في بيته، وأنّه يكلّمهم الآن .
ويظلّ المهاجرون يحلمون بمثل هذا الشرف ، أي أن يسمعوا آخر كلام من نبيّهم .
وتتحقّق أُمنيّتهم ، فما أسرعَ ما يَقدْم بلال فيخبر جميع المهاجرين بطلب النبيّ لهم في بيته .
يغصّ بيت النبيّ مرّة أُخرى بالناس ، ويلتفّ حوله كبار المهاجرين .
يعود سلمان الفارسي النبيَّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيجري بينهما حوار.
في الأثناء تصل ابنة النبيّ فاطمة(عليها السلام) ، تريد تجديد النظر إلى أبيها ، وفيما كانت تدخل حجرة النبيّ كانت الدموع تترقرق في مآقيها .
يبصر النبيّ دموع حبيبته فاطمة، ويرى بكاءها ، فيقول لها :
ـ ما يُبكيك يا بنيّة ؟
اليوم هو يوم السبت ، ستّة وعشرون مضت من صفر ، يلازم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)فراشه .
يجيء بنو هاشم لعيادة النبيّ ، وكان(صلى الله عليه وآله وسلم) يُغمى عليه تارة ويفيق أُخرى[۷۰] أخذ العبّاس عمّ النبيّ رأسه في حضنه ، يفيق النبيّ .
يفتح عينيه فيبصر عمّه عند رأسه ، يقدم عليه بوجهه قائلاً :
انظر ، ما أجمل هذه الراية بيد عليّ .
أتدري أنّ هذه الراية لم ترتفع سوى مرّة واحدة ؟
نعم ، في معركة بدر أعطى جبرئيل النبيّ هذه الراية ، فنشرها وقاد بها المسلمين نحو النصر .
ثمّ لم ينشر النبيُّ هذه الراية في أيّ معركة أُخرى ، طواها ، واليوم يُعطيها لعليّ .
يجلس العبّاس عمّ النبيّ بقرب فراش النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وليس هناك من متّسع في الحجرة لشدّة الزحام .
وبعد لحظات .
يدخل علي(عليه السلام) راجعاً من بيته .
لا يوجد مكان لجلوس عليّ ، فيقف عند عتبة الحجرة .
اليوم هو يوم الأحد ، سبعة وعشرون ليلةً مضت من صفر ، يبدو أنّ حال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد تحسّنت قليلاً .
يقرّر النبيّ الخروج إلى المسجد مرّة أُخرى للصلاة بالناس ، لا أحد يتصوّر أنّها ستكون آخر صلاة له في المسجد .
ينتظر المسلمون جميعاً ، وإذا بهم يرون النبيّ يدخل ويده بيد عليّ(عليه السلام)، ثمّ ويتوجّه من فوره نحو المحراب .
يخفّف النبيّ صلاته ، وبعد أن يتمّها يتوجّه إلى بيت فاطمة(عليها السلام)[۸۵]
يتوجّه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) مع عليّ(عليه السلام) نحو بيته ، ويأوي إلى فراشه .
وبعد ساعات يَقدْم البعض لعيادة النبيّ .
أخذ السمّ يؤثّر في جسده ، فيصفرّ لونه .
انظر ، يجلس عليّ بقرب النبيّ وهو يأخذ برأسه يضمّه إلى صدره ، والدموع تترقرق في مآقيه .
طلب جبرئيل وجميع الملائكة من النبيّ الإذنَ والعودة إلى السماء .
فلم يَبقَ في الحجرة سوى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) .
انظر .
مولاك عليّ متفكّر فيما آلت إليه الأُمور ، ها قد حمّله الله مسؤولية حفظ الإسلام بعد النبيّ ، والصبر على المحن الهائلة، والسعي لهداية الأُمّة .
تدخل عائشة الحجرة وتجلس جانباً .
يفيق النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من إغمائه ، يسأله عليّ(عليه السلام) :
ـ يا نبيّ الله ، إذا رحلتَ إلى ربّك ، أين أدفنك ؟
ـ هنا في بيتي .
اليوم يوم الاثنين، وقد مضى ثمانية وعشرون يوماً من صفر .
رأس النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يزال في حِجْر عليّ(عليه السلام) ، يُفيق تارةً ويُغمى عليه أُخرى .
أخذ سمّ تلك المرأة اليهودية من بدنه مأخذَه ، فلا أمل من شفائه .
نعم ، النبيّ يقترب رويداً رويداً من نيل أُمنيّته في الشهادة .
لحظات على مغيب الشمس والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يتهيّأ للرحيل[۱۰۱] يلتفت نحو فاطمة(عليها السلام) ويقول : ابنتي فاطمة ، إنّي راحل عنكم ، اقتربت ساعة الرحيل .
يرتفع صوت بكاء فاطمة ، لا يتحمّل النبيّ رؤية هذا المشهد .
هل يستطيع فعل شيء في هذا اللحظات الأخيرة ليسلّيها ؟!
ويحين موعد غروب الشمس ، رُوح النبيّ متهيّئة للرحيل .
يقول جبرئيل للنبيّ : هل لك في الرجوع إلى الدنيا ؟
يجيبه النبي : لا ، قد بلّغتُ رسالات ربّي ، إلى الرفيق الأعلى ، إلى الجنّة[۱۰۹] نعم ، يفضّل النبيّ لقاء ربّه على هذه الدنيا ، هو الآن مُتهيّئٌ للرحيل .
۱ . الاحتجاج على أهل اللجاج ، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت ۶۲۰ هـ ) ، تحقيق : إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، طهران : دار الأُسوة ، الطبعة الأُولى ، ۱۴۱۳ هـ .
۲ . الاختصاص ، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العُكبَري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (ت ۴۱۳ هـ ) ، تحقيق : علي أكبر الغفّاري ، بيروت : دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية ، ۱۴۱۴ هـ .
۳ . الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (ت ۴۱۳ هـ ) ، تحقيق : مؤسّسة آل البيت ، قمّ : مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى ، ۱۴۱۳ هـ .
۴ . الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، يوسف بن عبد الله القُرطُبي المالكي (ت ۳۶۳ هـ ) ، تحقيق : علي محمّد معوّض وعادل أحمد عبد الموجود ، بيروت : دار الكتب العلميّة ، الطبعة الأُولى ، ۱۴۱۵ هـ .