لحظات على مغيب الشمس والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يتهيّأ للرحيل
[101] يلتفت نحو فاطمة(عليها السلام) ويقول : ابنتي فاطمة ، إنّي راحل عنكم ، اقتربت ساعة الرحيل .
يرتفع صوت بكاء فاطمة ، لا يتحمّل النبيّ رؤية هذا المشهد .
هل يستطيع فعل شيء في هذا اللحظات الأخيرة ليسلّيها ؟!
يقرّب النبيّ ابنته منه ويبدأ يخاطبها .
لا أدري ماذا حصل حتّى ارتسمت فجأةً ابتسامةٌ مُرهَقة على وجه فاطمة ؟! انظر ، كم هي مستبشرة !
يا تُرى ماذا أسرّ النبيُّ لابنته حتّى سرى عنها ؟!
أسأل فاطمة، ماذا قال لها النبيّ ؟
تقول بأنّ النبي قال لها : أنتِ أوّلُ أهل بيتي لُحوقاً بي
[102] نعم ، إنّ فاطمة الآن تعرف أنّها لن تبقى طويلاً بعد أبيها في هذه الدنيا ، لهذا السبب خفّ عنها بعض المصاب .
يصعب على قلب فاطمة ابتعادها عن أبيها .
رأس النبيّ في حِجْر عليّ، فيما تجلس فاطمة والحسن والحسين(عليهما السلام) بقربه .
وإذا بصوت من خارج البيت : السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ، أدخل ؟
مَن هذا الذي جاء في تلك اللحظات لزيارة النبيّ ؟
تنهض فاطمة متوجّهةً نحو صاحب الصوت ، فترى أعرابياً عليه سيماء الوقار يقف خارج الدار ؟
تقول له : آجرك الله في ممشاك يا عبد الله ، إنّ رسول الله مشغول بنفسه .
ثمّ تُغلق الباب وتعود إلى الحجرة
[103] وبعد لحظات ، نفس صوت الرجل يطلب الإذن بالدخول .
وتذهب فاطمة وتجيبه كما أجابته أوّل مرّة .
مَن هذا الرجل الأعرابي يا تُرى ؟ وماذا يريد ؟
وينادي الرجل مرّة ثالثة بالإذن بالدخول .
ولكن هذه المرة رافعاً من صوته حتّى يُسمِعَ النبيّ .
النبيّ يعرفه ، يلتفت إلى ابنته فيقول :
ـ يا فاطمة مَن بالباب يطلب الإذن بالدخول ؟
ـ إنّ رجلاً يستأذن بالدخول، فأجبناه مرّة بعد أُخرى .
ـ يا فاطمة أتدرين مَن بالباب ؟ هذا عزرائيل ! هذا لا يطلب الإذن بالدخول على بيت أحد غير هذا البيت .
ثمّ يرفع النبيّ صوته : ادخل
[104] يدخل عزرائيل البيت ويسلّم على النبيّ وعلى أهل بيته .
يجيب النبيّ سلامه ويقول :
ـ جئتَني زائراً أم قابضاً ؟
ـ جئتك زائراً وقابضاً ، وأمرني الله عزّ وجلّ أن لا أدخل عليك إلاّ بإذنك، ولا أقبضَ روحك إلاّ بإذنك ، فإن أذِنتَ وإلاّ رجعتُ إلى ربّي .
ـ يا مَلكَ الموت، أين خلّفت حبيبي جَبرئيل ؟
ـ خلّفتُه في سماء الدنيا
[105] وما هي إلاّ لحظات حتّى كان جبرئيل نازلاً من السماء، فدنا وجلس بقرب النبيّ .
لو أمعنتَ الفكر جيّداً ، فسترى ملكاً وخلفه آلاف الملائكة قد حلّوا هنا أيضاً .
هل تعرفه ؟
اسمه إسماعيل ، واحدٌ من أكبر الملائكة ، لم ينزل إلى الأرض قطّ غير هذه المرّة ، وهو في الهواء على سبعين ألف مَلك .
جاء مع سبعين ألف ملك لاستقبال النبيّ ، إكراماً لروحه القدسية العليا
[106] تنظر الملائكة نحو النبيّ وتقول : قد فُتِحت أبوابُ السماء ، واصطفّت الملائكة سِماطَينِ لاستقبالك .
يحمد النبيُّ اللهَ كثيراً ويمجّده، ويقول لجبرئيل : فبشّرْني يا جبرئيل .
فيقول له جبرئيل مجيباً : إنّ أبواب السماء قد فُتحت كرامةً لك .
فيحمد النبيُّ الله مرّةً أُخرى ويمجّده ، ويقول لجبرئيل : فبشّرني .
فيقول جبرئيل : أنت أوّلُ شافع وأوّلُ مشفَّع يوم القيامة ، وأنت أوّلُ من يدخل الجنّة ، وأُمّتك أوّل الأُمم دخولاً
[107] فتطيب نفس النبيّ ويستعدّ للرحيل ، يلتفت نحو عليّ ويطلب منه أن يلي تغسيله وتكفينه بعد وفاته
[108]