يتوجّه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) مع عليّ(عليه السلام) نحو بيته ، ويأوي إلى فراشه .
وبعد ساعات يَقدْم البعض لعيادة النبيّ .
أخذ السمّ يؤثّر في جسده ، فيصفرّ لونه .
انظر ، يجلس عليّ بقرب النبيّ وهو يأخذ برأسه يضمّه إلى صدره ، والدموع تترقرق في مآقيه .
وفيما هما على هذه الحالة ينزل جبرئيل(عليه السلام) ، جاء في مهمّة أُخرى .
ـ يا محمّد، مُرْ بإخراج مَن في الدار إلاّ وصيَّك عليّاً .
انظر ، جبرئيل يحمل معه كتاباً .
يلتفت جبرئيل نحو النبيّ ويقول : يا محمّد، ربّك يُقرئك السلام ويقول : هذا كتاب ما كنتُ عَهِدتُ إليك ، ناول هذا الكتاب لوصيّك عليّ .
فيقول النبيّ : يا جبرئيل ، ربّي هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه يعود السلام، هاتِ الكتاب .
يدفع جبرئيل الكتاب إلى النبيّ، ويدفعه النبيّ إلى عليّ، ويأمره أن يقرأه حرفاً حرفاً .
هل تدري أنّ هذا العهد هو ميراث الأنبياء ؟
[87] انظر إلى مولاك، إنّه الآن يقرأ العهد بدقّة .
كلّي شوق لمعرفة ما خُطّ في هذا الكتاب .
وبعد لحظات .
يلتفت النبيّ نحو عليّ فيقول :
ـ يا عليّ ، أخذتَ وصيّتي وعرفتَها ، وضمنتَ لله ولي الوفاءَ بما فيها ؟
ـ نعم بأبي أنت وأُمّي، علَيَّ ضمانها ، وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها .
ـ يا عليّ ، إنّي أُريد أن أُشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة .
ـ نعم أَشهِد .
ـ إنّ جبرئيل وميكائيل(عليهما السلام) فيما بيني وبينك الآن، وهما حاضران ومعهما الملائكة المقرّبون ، لأُشهدهم عليك .
ـ نعم ، ليشهدوا ، وأنا أُشهدهم .
إنّى لفي عجب شديد ، يا تُرى ماذا كُتب في هذا العهد حتّى يؤكّد النبيّ على عليّ كلّ هذا التأكيد ؟!
لشدّ ما أتلهف لمعرفة ما خُطّ في ذلك العهد .
ولكان يسرّني أني أستطيع أن أقرأ عليكم قُرّائي الأعزّاء بعضاً منه .
يعقّب النبيّ :
ـ يا عليّ ، تفي بما فيها (الوصيّة) من موالاة من والى الله ورسوله ، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله ، والبراءة منهم، وعلى الصبر منك على كظم الغيض وعلى ذَهاب حقّك وغصب خُمسك وانتهاك حرمتك ؟
ـ نعم يا رسول الله .
صوت يتناهى، كأنّي أسمعه يقول : يا محمّد ، عرّفْه أنّه يُنتهك الحرمة ، وتُخضَّب لحيته من رأسه بدم عبيط!
[88] عزيزي القارئ .
كان هذا صوتَ جبرئيل يطلب من النبيّ إيصال خطابه إلى مولاك عليّ .
يا للعجب ! ألم يبايع الناسُ جميعاً عليّاً في غدير خمّ ؟
ألم يأمر النبيّ مراراً وتكراراً بمحبّة أهل بيته والرحمة بهم ؟
هل نسي الناس كلّ هذا الكلام حتى ينتهكوا حرمة علي وأهل بيته ؟!
وفي الأثناء كلام آخر تجري مداولته ، لا أسمعه ، كلّ ما أراه هو دموع عليّ تترقرق في عينيه وتسيل على خدّيه .
يا تُرى ماذا سيحدث بعد وفاة النبيّ ؟
من يتصوّر أنّ المسلمين سيجتمعون لحرق باب عليّ !
من يتصوّر أنّهم سيضعون حبلاً في رقبته ويسحبونه نحو المسجد .
من يتصوّر أنّ ناموسه وهو ناموس الله سيُضرب بالسوط .
وأنّى لأحد أن يتصوّر كلَّ هذا !
لماذا على عليّ أن يرى كلّ ذلك بأمّ عينيه ولا يفعلَ شيئاً، وإنّما عليه أن يصبر ؟
اليوم يعاهد عليٌّ النبيَّ على الصبر على كلّ بلاء ورزيّة بعده ; وذلك لأنّ صبره سيكون الكفيل بحفظ الإسلام .
نعم ، لولا صبر عليّ فإنّ أعداء الإسلام سيهدمون كلَّ ما بناه نبيّ الإسلام .
أليس عليّ هو الذي أحيا بسيفه الإسلام في كلّ حروبه ؟ فعليه إذن أن يصبر غداً لحفظه .
الآن ينقل النبيّ كلام جبرئيل لعليّ ، برأيك ماذا سيكون جواب عليّ ؟
انظر ، عليّ يسجد، يعاهد ربّه في سجدته : قَبِلتُ ذلك ياربّ ، وأنا راض به .
حان الآن وقت ختم العهد ، نعم لقد وافق عليّ على كلّ ما جاء فيه .
تختم الملائكة على هذا العهد وتناوله عليّاً .
على أن يسلّم عليّ هذه الوصية آخر أيّام حياته إلى ولده الحسن المجتبى(عليه السلام) ، وهكذا كلّ إمام يوصلها إلى الإمام الذي يليه ، حتّى تصل إلى يد الإمام المهديّ خاتم الأوصياء
[89]