سایت استاد مهدي خداميان آرانی
* * * * * * ليس مثل قطرات دمع تنساب على وجنتي محبّ تعبيراً عن أحاسيس الشوق والمحبّة ، أبلغ إثارةً منها للأحاسيس كقطرات دمع تذرفها عيون عشّاق الإمام الحسين(عليه السلام) وشيعته كلّما تذكّروه ، لا فرق في ذلك ، يبكونه حزناً أم شوقاً وحنيناً ، فهي دموع المحبّة والعشق والولاء لمولاهم الشهيد الغريب المظلوم أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) الذي قال عن نفسه : "أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى" . وهذه الدموع هي رمز بقاء التشيّع على مرّ العصور ، ولا تقاس بغيرها من الدموع التي تُسال .
البكاء أحد وسائل التعبير الذاتي العاطفي للإنسان ، يلجأ إليه بفطرته كلّما دعته الضرورة إلى ذلك ، وبالخصوص حينما تتراكم وتنهال عليه المشاكل والمصائب التي لا يملك إزاءها حولاً ولا قوّةً ، أو يعجز عن مواجهتها، فيطلق العنان لدموعه تنساب من مآقيه . وبهذا المعنى لا يعني أنّ البكاء تعبير عن حالة ضعف أو هزيمة كما قد يتصوّر غالب العوامّ ، يكفيك أن تعرف أنّ علماء النفس يصفونه بالوسيلة التي يتنفّس من خلالها الإنسان معنىً جديداً للحياة تنقذه من الانسحاق الذي يعانيه تحت وطأة المشاكل والصعوبات التي يواجهها . فالبكاء هنا وسيلة للتنفيس عن الهموم والغموم ، ويكون دافعاً للنشاط وتجديد القوى بنحو أفضل . والبكاء بكاءان : بكاء سلبي وهو بكاء الضعف والهزيمة والتراجع ، وبكاء إيجابي وهو بكاء التنفيس عن الضغوطات الداخلية لإنقاذ الروح من حال الانطواء والتعقيد العصبي .
هناك روايات عديدة منقولة من مصادر الفريقين تبيّن بصريح العبارة إخبار الله تعالى رسوله(صلى الله عليه وآله) بمقتل ولده الحسين(عليه السلام) على يد أُمّته ، حيث أراد الله أن يشترك نبيّه في الثواب مع من تُذرف دموعه على مصاب الحسين(عليه السلام) فينال ما يرجوه من الكرامة ، كما سنبيّن في فضيلة البكاء عليه . وهذا الخبر فطر قلب النبيّ(صلى الله عليه وآله) بحياته ، فأبكاه حيّاً قبل أن يبكيه الناس ميّتاً . ولا نضيف شيئاً لو قلنا : إنّ أوّل الباكين على الحسين(عليه السلام) كان نبيّنا الأكرم(صلى الله عليه وآله) . ولسوف نكتفي بذكر روايتين من مجموع الروايات المصرّحة ببكاء النبيّ(صلى الله عليه وآله)على الحسين(عليه السلام) ، ونتعرّض إلى حال رواة كلّ واحدة منهما، وما قال الرجاليون بحقّهم; حتّى يتبيّن لك توثيقهم وجلالة شأنهم. كما سنتعرّض لبيان منهج قدمائنا في تقييم الميراث الحديثي، ونشرح ما يتعلّق بتحقيق المصدر الأوّل للحديث ، فنقول :
إنّ الروايات التي ذُكر فيها فضل البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام) كثيرة جدّاً، ولقد عقد العلاّمة المجلسي باباً في بحار الأنوار استقصى فيه جميع ما ورد في هذا المجال[۱۰۵] وحينما يقرأ الإنسان هذه الروايات يصل إلى هذه النتيجة، وهي أنّ أفضل لحظات القرب إلى الله تعالى هي تلك الدموع التي تنساب بحرارة وحرقة على خدّيه ، تعبيراً عن الحزن والولاء لصاحبها أبي الأحرار الحسين(عليه السلام) . نعم ، إنّ البكاء على الحسين(عليه السلام) يوجب غفران الذنوب العظام، وأنّ الباكي عليه يكون في الدرجات العلى من الجنان مع الأولياء والصالحين، وأنّ الله جعل يوم القيامة للباكي على الحسين(عليه السلام) يوم سرور وفرح ، إلى غير ذلك ممّا تذكره تلك الروايات . ولقد قمنا في هذا الفصل بتحقيق الروايات المعتبرة التي ذكرت فضل البكاء على الحسين(عليه السلام).
ما أعظم مصيبة الحسين(عليه السلام)! حتّى أنّها أبكت الجنّ كما أبكت الإنس، وأبكت ملائكة السماوات السبع. وبكاء الملائكة ليس كبكائنا محدود بزمان معيّن، إنّه بكاء أبدي لا ينتهي، فهم لا يمكنهم نسيان واقعة بهذه المظلومية أبداً. وهذا هو سرّ خلود وبقاء هذه المظلومية على مرّ التاريخ، فما أكثر ما جرت من ويلات ومصائب على الأفراد على طول تاريخ البشرية، ولكن ليست كيوم كربلاء كما قال الإمام الحسن(عليه السلام): "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله".[۳۵۸] انظر كم هو عظيم مقام الحسين(عليه السلام) عند الله حتّى أمر ملائكته بالبكاء عليه، وكيف لا تبكيه وهو بضعة المصطفى، ومن بشّرت الملائكة بمولده، والمدّخر ليومه ذاك؟ حتّى أعاد الإسلام إلى صفائه بعد اعوجاج حكّامه، فأخلده الله تعالى بأن أبكى عليه ملائكته إلى يوم القيامة. شخص تبكيه الملائكة كيف يبخل الناس بدموعهم عليه؟ ولا نقول ذلك من وحي عواطفنا، فهناك روايات كثيرة تذكر بكاء الملائكة على الحسين(عليه السلام)، ولا يسعنا في هذا الفصل أن نذكرها كلّها، فبعد أن انتهينا من ذكر الصحيح من الروايات التي دلّت على فضيلة البكاء عليه(عليه السلام)، نذكر في هذا الفصل صحيح الروايات التي تدلّ على بكاء الملائكة عليه(عليه السلام).
۱ . اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشّي ) ، أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( ت ۴۶۰ هـ ) ، تحقيق : مير داماد الإسترآبادي ، تحقيق : السيّد مهدي الرجائي ، قمّ : مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، ۱۴۰۴ هـ . ۲ . الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ( ت ۴۶۰ هـ ) ، تحقيق : السيّد حسن الموسوي الخرسان ، طهران : دار الكتب الإسلامية . ۳ . الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، يوسف بن عبد الله القُرطُبي المالكي (ت ۳۶۳ هـ ) ، تحقيق : علي محمّد معوّض وعادل أحمد عبد الموجود ، بيروت : دار الكتب العلميّة ، ۱۴۱۵ هـ ، الطبعة الاُولى . ۴ . اُسد الغابة في معرفة الصحابة ، أبو الحسن عزّالدين عليّ بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري (ت ۶۳۰ هـ ) ، تحقيق : علي محمّد معوّض ، وعادل أحمد ، بيروت : دارالكتب العلمية ، الطبعة الاُولى ، ۱۴۱۵ هـ .
بالا