کتب دکتر مهدی خدامیان آرانی - سایت نابناک

سایت استاد مهدي خداميان آرانی

در حال بارگذاری

    الفصل الثالث

     الفصل الثالث


    ما أعظم مصيبة الحسين(عليه السلام)! حتّى أنّها أبكت الجنّ كما أبكت الإنس، وأبكت ملائكة السماوات السبع. وبكاء الملائكة ليس كبكائنا محدود بزمان معيّن، إنّه بكاء أبدي لا ينتهي، فهم لا يمكنهم نسيان واقعة بهذه المظلومية أبداً.
    وهذا هو سرّ خلود وبقاء هذه المظلومية على مرّ التاريخ، فما أكثر ما جرت من ويلات ومصائب على الأفراد على طول تاريخ البشرية، ولكن ليست كيوم كربلاء كما قال الإمام الحسن(عليه السلام): "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله".[358]
    انظر كم هو عظيم مقام الحسين(عليه السلام) عند الله حتّى أمر ملائكته بالبكاء عليه، وكيف لا تبكيه وهو بضعة المصطفى، ومن بشّرت الملائكة بمولده، والمدّخر ليومه ذاك؟ حتّى أعاد الإسلام إلى صفائه بعد اعوجاج حكّامه، فأخلده الله تعالى بأن أبكى عليه ملائكته إلى يوم القيامة. شخص تبكيه الملائكة كيف يبخل الناس بدموعهم عليه؟
    ولا نقول ذلك من وحي عواطفنا، فهناك روايات كثيرة تذكر بكاء الملائكة على الحسين(عليه السلام)، ولا يسعنا في هذا الفصل أن نذكرها كلّها، فبعد أن انتهينا من ذكر الصحيح من الروايات التي دلّت على فضيلة البكاء عليه(عليه السلام)، نذكر في هذا الفصل صحيح الروايات التي تدلّ على بكاء الملائكة عليه(عليه السلام).
    وكما قلنا هناك أخبار كثيرة تؤيّد ذلك، وسنكتفي هنا بذكر الأحاديث والأخبار الصحيحة منها، ونخصّ ثلاثة منها، وهي: صحيحة أبي حمزة الثُّمالي، وصحيحة الفُضَيل بن يَسَار، وصحيحة ربعي بن عبد الله.
    ومن ثمّ نتعرّض للروايات المصحّحة التي ذُكر فيها بكاء السماء والأرض على الإمام الحسين(عليه السلام); تتميماً للفائدة.



    صحيحة أبي حمزة الثُّمالي
    روى ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات عن ابن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن الحسن بن علي بن المغيرة، عن العبّاس بن عامر، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثُّمالي، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال:
    إنّ الله وكّل بقبر الحسين(عليه السلام) أربعة آلاف ملك شُعثاً غُبرا، يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس، فإذا زالت هبط أربعة آلاف ملك، وصعد أربعة آلاف ملك، فلم يزل يبكونه حتّى يطلع الفجر، ويشهدون لمن زاره بالوفاء، ويشيّعونه إلى أهله، ويعودونه إذا مرض، ويصلّون عليه إذا مات[359]
    ذكرها العلاّمة المجلسي، والمحدّث النوري[360]
    وقد تعرّضنا لوثاقة ابن قُولَوَيه، وابن الوليد، والصفّار، وأبان بن عثمان، والآن نتعرّض لوثاقة بقيّة رجال السند .
    وثاقة الحسن بن علي بن المغيرة
    أورده النجاشي في رجاله قائلاً: "الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة ، البَجَلي : مولى جندب بن عبد الله ، أبو محمّد ، من أصحابنا الكوفيّين ، ثقة ثقة"[361]
    وذكره الشيخ في فهرسته[362363364]
    وثاقة العبّاس بن عامر
    أورده النجاشي في رجاله قائلاً: "العبّاس بن عامر بن رَبَاح : أبو الفضل ، الثقفي ، القصباني ، الصدوق ، الثقة ، كثير الحديث"[365]
    وذكره الشيخ في فهرسته[366]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الكاظم(عليه السلام) بعنوان "العبّاس بن عامر" ، واُخرى فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام) قائلاً : "العبّاس بن عامر القَصَباني : روى عنه أيّوب بن نوح"[367]
    وثاقة أبي حمزة الثُّمالي
    عدّه البرقي في رجاله تارةً في أصحاب السجّاد(عليه السلام) قائلاً : "أبو حمزة الثُّمالي ، ثابت بن دينار : وكنية دينار أبو صفيّة ".
    واُخرى في أصحاب الصادق(عليه السلام)، وثالثةً في أصحاب الكاظم(عليه السلام) بنفس العنوان[368]
    ووثّقه الكشّي ، وروى روايات عديدة في مدحه[369]
    وأورده النجاشي بعنوان "ثابت بن أبي صفيّة : أبو حمزة الثُّمالي" ، ووثّقه ، وذكر أنّه لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأباعبد الله وأبا الحسن(عليهم السلام) ، وكان من خيار أصحابنا ومعتمدهم في الرواية والحديث[370]
    وذكره الشيخ في رجاله تارةً في أصحاب السجّاد(عليه السلام) قائلاً : "ثابت بن أبي صفيّة ، دينار الثُّمالي الأزدي : يُكنّى أبا حمزة ، الكوفي ، مات سنة مئة وخمسين ".
    واُخرى في أصحاب الباقر(عليه السلام) قائلاً : "ثابت بن دينار : أبو صفيّة ، الأزدي ، الثُّمالي ، يُكنّى أبا حمزة ".
    وثالثةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "ثابت بن أبي صفيّة ، دينار الأزدي ، الثُّمالي ، الكوفي : يُكنّى أبا حمزة ، مات سنة خمسين ومئة ".
    ورابعةً في أصحاب الكاظم(عليه السلام) بعنوان "ثابت بن دينار" ، وقال : "اختُلف في بقائه إلى وقت أبي الحسن موسى(عليه السلام) ، روى عن علي بن الحسين ومَن بعده(عليهم السلام) ، له كتاب[371]
    وذكره في فهرسته قائلاً : "ثابت بن دينار : يُكنّى أبا حمزة ، الثُّمالي ، وكنية دينار أبو صفيّة ، ثقة"[372]
    والحاصل من هذا: أنّ رجال هذا السند كلّهم من الثقات، وعليه فالحديث صحيح أعلائي.
    وقد سبق الكلام في أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث ـ مضافاً إلى وثاقة الراوي ـ كان على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة، والآن نقول : إنّ هذه الرواية ذُكرت في كتاب المزار للصفّار الذي كان من الكتب المعتمدة عند أصحابنا.
    فلو راجعنا رجال النجاشي نجد أنّه ذكر كتاب المزار من جملة كتب الصفّار[373]
    ثمّ إنّ الشيخ الطوسي روى جميع كتب الصفّار عن طريق جماعة من مشايخه، عن الشيخ الصدوق، عن ابن الوليد، عن الصفّار; ومعنى ذلك أنّ ابن الوليد روى كتاب المزار للصفّار أيضاً، حيث نجد في سند هذا الرواية أنّ ابن قُولَوَيه روى عن ابن الوليد عن الصفّار.
    والظاهر أنّ ابن قُولَوَيه لمّا أراد أن يكتب كتاب كامل الزيارات، كان كتاب المزار للصفّار موجوداً عنده، فأخذ منه هذا الحديث وأدرجه في كتابه.
    فتبيّن من هذا: أنّ رواية أبي حمزة الثُّمالي من الروايات الصحيحة رجالياً وفهرستياً، فرجال الرواية كلّهم من الأجلاّء، كما أنّ المصدر الذي ذُكرت فيه الرواية كان في غاية الاعتبار.


    صحيحة الفُضَيل بن يَسَار
    روى ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات عن ابن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صفوان بن يحيى، عن حَرِيز، عن الفُضَيل بن يَسَار، عن أحدهما(عليهما السلام)، قال:
    إنّ على قبر الحسين(عليه السلام) أربعة آلاف ملك شُعثٌ غُبرٌ، يبكونه إلى يوم القيامة[374]
    رواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار[375]
    وقد تعرّضنا لوثاقة رجال السند، والآن نتعرّض لوثاقة صفوان بن يحيى وحَرِيز.
    وثاقة صفوان بن يحيى
    عدّه البرقي في رجاله ممّن نشأ في عصر الرضا(عليه السلام)، وذكره أيضاً في أصحاب الجواد(عليه السلام) قائلاً : "صفوان بن يحيى : بيّاع السابري ، مولى بَجِيلة ، كوفيّ"[376]
    وذكر الكشّي في شأنه مدائح عظيمة، وكذلك ذكر ذمّه، وعدّه ممّن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنهم[377]
    أورده النجاشي في رجاله مع وصفه بالبَجَلي ، وذكر أنّه كان بيّاع السابري ، ووثّقه مرّتين ، وذكر أنّه كانت له منزلة شريفة عند الرضا(عليه السلام) ، وأنّه صنّف ثلاثين كتاباً[378]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "صفوان بن يحيى : مولى بَجِيلة ، يُكنّى أبا محمّد ، بيّاع السابري ، أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وأعبدهم ... وروى عن أبي الحسن الرضا وأبي جعفر(عليهما السلام)"[379]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الكاظم(عليه السلام) قائلاً : "صفوان بن يحيى : وكيل الرضا(عليه السلام) ، ثقة ".
    واُخرى في أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً : "صفوان بن يحيى البَجَلي : بيّاع السابري ، مولىً ، ثقة ، وكيله(عليه السلام) ، كوفيّ ".
    وثالثةً في أصحاب الجواد(عليه السلام) قائلاً : "صفوان بن يحيى البَجَلي : بيّاع السابري"[380]
    وثاقة حَرِيز بن عبد الله السِّجِستاني
    عدّه البرقي في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "جرير بن عبد الله السِّجِستاني الأزدي : عربىّ ، كوفىّ انتقل إلى سجستان فقُتل بها ، له كتب"[381]
    ولقد وقع في نسخة رجال البرقي تصحيف ، حيث ذكر "جرير" بدل "حَرِيز" .
    وذكر الكشّي أنّه لم سمع أبا عبد الله(عليه السلام) إلاّ حديثاً أو حديثين[382]
    أورده النجاشي في رجاله قائلاً : "حَرِيز بن عبد الله السِّجِستاني : أبو محمّد الأزدي، من أهل الكوفة ، أكثر السفر والتجارة إلى سجِستان فعُرف بها ، وكانت تجارته في السَّمن والزيت ، قيل : روى عن أبي عبد الله(عليه السلام) ، وقال يونس : لم يسمع أبا عبد الله(عليه السلام) إلاّ حديثين ، وقيل : روى عن أبي الحسن موسى(عليه السلام)، ولم يثبت ذاك ، وكان ممّن شهر السيف في قتال الخوارج بسجِستان في حياة أبي عبد الله(عليه السلام) ، وروي أنّه جفاه وحجبه عنه"[383]
    ووثّقه الشيخ في فهرسته[384]
    وذكره في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "حَرِيز بن عبد الله السِّجِستاني : مولىً للأزد"[385]
    والحاصل من هذا: أنّ رجال الحديث كلّهم من الثقات الأجلاّء، وعليه فالحديث صحيح أعلائي.
    وقد سبق الكلام في أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث ـ مضافاً إلى وثاقة الراوي ـ كان على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة، والآن نقول : إنّ هذه الرواية ذُكرت في كتاب النوادر لصفوان بن يحيى الذي كان من الكتب المعتمدة عند أصحابنا.
    فلو راجعنا رجال النجاشي نجد أنّه ذكر كتاب نوادر من جمله كتب صفوان بن يحيى[386]
    وكذلك روى الشيخ الطوسي في فهرسته كتب صفوان بنفس هذا الطريق الذي ذكره النجاشي في رجاله[387]
    ونجد في سند هذا الرواية أنّ ابن قُولَوَيه روى عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صفوان، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب صفوان.
    وكيف كان، فإنّ الفُضَيل بن يَسَار ـ الذي كان يسكن البصرة ـ سمع هذا الحديث في سفره إلى المدينة عن الإمام الباقر أو الصادق(عليهما السلام) ونقله لحريز بن عبد الله، وبعد ذلك سمع صفوان بن يحيى هذا الحديث الشريف من حَرِيز وذكره في نوادره، ثمّ قام محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب بتحمّل كتاب صفوان.
    فالحديث كان في أصله بصرياً ; والفُضَيل بن يَسَار كان يسكن البصرة، وبعد ذلك صار كوفياً، فإنّ حَرِيز وصفوان ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب كانوا كوفيّين.
    والظاهر أنّ محمّد بن الحسن الصفّار القمّي سافر إلى الكوفة فتحمّل كتاب صفوان من محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، ونقل هذا الكتاب إلى مدينة قمّ، وبعد ذلك صار الحديث قميّاً. كما أنّ ابن الوليد تحمّل كتاب صفوان من اُستاذه الصفّار، ثمّ تحمّل ابن قُولَوَيه هذا الكتاب من اُستاذه ابن الوليد، ونقل منه هذا الحديث.
    وبالجملة : أنّ ابن قُولَوَيه لمّا أراد أن يكتب كتابه كامل الزيارات كان كتاب صفوان عنده موجوداً، وكان له طريق صحيح إلى هذا الكتاب، فأخذ هذا الحديث من كتاب صفوان وذكره في كامل الزيارات.
    فتبيّن من هذا: أنّ رواية الفُضَيل بن يَسَار من الروايات الصحيحة رجالياً وفهرستياً، فرجال الرواية كلّهم من الأجلاّء، كما أنّ المصدر الذي ذُكرت فيه الرواية كان في غاية الاعتبار.






    صحيحة ربعي بن عبد الله
    روى ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي، قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام) بالمدينة:
    أين قبور الشهداء؟، فقال: أليس أفضل الشهداء عندكم؟! والذي نفسي بيده، إنّ حوله أربعة آلاف ملك شُعثٌ غُبرٌ يبكونه إلى يوم القيامة[388]
    وذكرها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار[389]
    وقد تعرّضنا لوثاقة ابن قُولَوَيه، وسعد بن عبد الله، وأحمد بن محمّد بن عيسى، والآن نتعرّض لوثاقة بقيّة رجال السند .
    وثاقة العبّاس بن معروف
    أورده النجاشي في رجاله قائلاً: "العبّاس بن معروف : أبو الفضل ، مولى جعفر بن عبد الله الأشعري ، قمّي ، ثقة ، له كتاب الآداب، وله نوادر ، أخبرنا أحمد بن علي ، قال : حدّثنا الحسن بن حمزة ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر بن بطّة ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد ، عن العبّاس بجميع حديثه ومصنّفاته"[390]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "عبّاس بن معروف : له كتب عدّة، أخبرنا بها جماعة ، عن أبي المفضّل ، عن ابن بطّة ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عنه"[391]
    وذكره في رجاله في أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً : "العبّاس بن معروف : قمّي ، ثقة ، صحيح ، مولى جعفر بن عمران بن عبد الله الأشعري"[392]
    وثاقة حمّاد بن عيسى
    عدّه البرقي في رجاله تارةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "حمّاد بن عيسى الناب : مولى الأزد ، له قصيدة تذكر موته ".
    واُخرى في أصحاب الكاظم(عليه السلام) ، وثالثةً في أصحاب الرضا(عليه السلام)[393]
    وذكر الكشّي أنّه كان فاضلا ، خيّراً ، ثقة ، وعدّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم[394]
    وأورده النجاشي في رجاله ووثّقه ، وذكر أنّه روى عن الكاظم والرضا(عليهما السلام)[395]
    وذكره الشيخ في فهرسته، وذكر أنّه كان ثقة ، جليل القدر[396]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "حمّاد بن عثمان : ذو الناب ، مولىً ، غني ، كوفىّ ".
    واُخرى في أصحاب الكاظم(عليه السلام) قائلاً : "حمّاد بن عثمان : لقبه الناب ، مولى الأزد ، كوفىّ ، له كتاب ".
    وثالثةً في أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً : "حمّاد بن عثمان ، الناب : من أصحاب أبي عبد الله(عليه السلام)"[397]
    وثاقة ربعي بن عبد الله
    عدّه البرقي في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "أبو نعيم رِبعي بن عبد الله بن الجارود ، الهُذَلي : عربىّ ، بصرىّ"[398]
    وذكر الكشّي أنّه كان بصريّاً ووثّقه[399]
    وأورده النجاشي في رجاله قائلاً : "رِبعي بن عبد الله بن الجارود بن أبي سَبرَة الهُذَلي : أبو نعيم ، ثقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن(عليهما السلام) ، وصحب الفُضَيل بن يَسَار وأكثر الأخذ عنه ، وكان خصّيصاً به"[400]
    وذكره الشيخ في فهرسته[401]
    وذكره في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "رِبعي بن عبد الله بن الجارود العبدي ، البصري : أبو نعيم"[402]
    والحاصل من هذا: أنّ جميع رجال هذا الحديث من الثقات، وعليه يكون الحديث صحيحاً أعلائياً.
    وقد سبق الكلام في أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث ـ مضافاً إلى وثاقة الراوي ـ كان على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة، والآن نقول : إنّ هذه الرواية ذُكرت في كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، وهو كتاب معتمد عند أصحابنا.
    وإليك تفصيل الكلام في هذه الجهة:
    فلو راجعنا رجال النجاشي وفهرست الشيخ نجد أنّهما ذكرا من جملة كتب أحمد بن محمّد بن عيسى كتاب النوادر[403]
    فابن قُولَوَيه في هذه الرواية روى عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمّد بن عيسى.
    وكيف كان فإنّ الحديث في أصله بصرياً وربعي بن عبد الله كان من أهل البصرة، والظاهر أنّه لمّا سافر في أيّام الحجّ إلى المدينة سمع الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وبعد رجوعه من المدينة سافر إلى الكوفة ونقل الحديث لحمّاد بن عيسى.
    ونحن نستظهر أنّ العبّاس بن معروف القمّي لمّا سافر إلى الكوفة سمع هذا الحديث من حمّاد بن عيسى، ثمّ سمع أحمد بن محمّد بن عيسى هذا الحديث من العبّاس بن معروف فذكره في كتابه النوادر، ثمّ تحمّل سعد كتاب النوادر من مؤلّفه أحمد بن محمّد بن عيسى، وبعد ذلك تحمّل محمّد بن قُولَوَيه (والد صاحب كامل الزيارات) هذا الكتاب من سعد، كما أنّ جعفر بن محمّد بن قُولَوَيه (صاحب كامل الزيارات) تحمّله من والده.
    فكتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى كان عند صاحب كامل الزيارات، وأنّه قام بإخراج هذا الحديث منه.
    والآن نتعرّض لذكر روايات اُخرى صحيحة تؤيّد بكاء الملائكة على الإمام الحسين(عليه السلام) ، ونكتفى في هذا المقام بخمسة منها:
    الحديث الأوّل: روى ابن قُولَوَيه عن محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن ابن بَزيع، عن أبي إسماعيل السرّاج، عن يحيى بن مُعمّر العطّار، عن أبي بصير، عن أبي جعفر(عليه السلام): أربعة آلاف ملك شُعثٌ غُبرٌ، يبكون الحسين(عليه السلام) إلى يوم القيامة، فلا يأتيه أحد إلاّ استقبلوه، ولا يرجع أحد من عنده إلاّ شيّعوه، ولا يمرض أحد إلاّ عادوه، ولا يموت أحد إلاّ شهدوه[404]
    الحديث الثاني: روى ابن قُولَوَيه عن أبيه، عن سعد، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن عمر بن أبان، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، مثله[405]
    الحديث الثالث: روى ابن قُولَوَيه عن جعفر بن محمّد الرزّاز، عن إبراهيم بن عبد الله بن نُهَيك، عن ابن أبي عُمَير، عن سَلَمة صاحب السابري، عن أبي الصبّاح الكِناني، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: إنّ إلى جانبكم قبراً ما أتاه مكروب إلاّ نفّس الله كربه وقضى حاجته، وأنّ عنده أربعة آلاف ملك منذ يوم قُبض شُعثاً غُبراً، يبكونه إلى يوم القيامة، فمن زاره شيّعوه، ومن مرض عادوه، ومن مات اتّبعوا جنازته[406]
    الحديث الرابع: روى ابن قُولَوَيه عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن الحسن بن علي بن عبد الله، عن العبّاس بن عامر، عن أبان، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله(عليه السلام): إنّ الله وكّل بقبر الحسين(عليه السلام) أربعة آلاف ملك شُعثاً غُبراً، يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس، فإذا زالت هبط أربعة آلاف ملك وصعد أربعة آلاف ملك، فلم يزل يبكونه حتّى يطلع الفجر، ويشهدون لمن زاره بالوفاء، ويشيّعونه إلى أهله، ويعودونه إذا مرض ويصلّون عليه إذا مات[407]
    الحديث الخامس: روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن الحِميَري، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن عمر بن أبان الكلبي، عن ابن تغلب، عن أبي عبد الله(عليه السلام): إنّ أربعة آلاف ملك عند قبر الحسين(عليه السلام) شُعثاً غُبراً، يبكونه إلى يوم القيامة، رئيسهم ملك يقال له: منصور، فلا يزوره زائر إلاّ استقبلوه، ولا يودّعه مودّع إلاّ شيّعوه، ولا يمرض إلاّ عادوه، ولا يموت إلاّ صلّوا على جنازته، واستغفروا له بعد موته[408]


    تتميم الفصل الثالث
    بعد أن ذكرنا بكاء الملائكة على الإمام الحسين(عليه السلام)، نتعرّض هنا لبيان الروايات التي ورد فيها بكاء أهل السماء والأرض عليه(عليه السلام).
    فما أعظمها من مصيبة أبكت الجن والإنس والملائكة والسماوات والأرض وما بينهما، مصيبة أعزّ خلق الله إلى نبيّه(صلى الله عليه وآله)، وحجّه الله في السماوات والأرض.
    بكته السماء والأرض منذ تلك اللحظة التي خرّ فيها على رمضاء كربلاء مضرّجاً بدمائه وقد جفّ لسانه كأنّه خشبة يابسة من شدّة العطش، وهو يجود بنفسه الزكية، يتعجّب من فعل الطواغيت الكفرة به وهم يعرفون أنّه من عترة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وخيرة ولده، ومن قال بحقّه(صلى الله عليه وآله) : "حسين منّي وأنا منه ، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط"، وعشرات الروايات المؤكّدة التي كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يعبّر فيها عن حبّه وشغفه بالحسين(عليه السلام).
    لقد اضطربت السماء وماجت واحمرّت أطرفها فتلوّنت بصفرة داكنة، كأنّها تبكي دماً لمصاب هذا الزكي. وكسفت الشمس كسفة بدت فيها الكواكب نصف النهار، كما جاء في خبر رواه البيهقي : حتّى ظننّا أنّها هي، أي القيامة[409]
    واسودّت السماء وظهرت الكواكب نهاراً ، حتّى رؤيت الجوزاء عند العصر ، وسقط التراب الأحمر[410]
    وكما ورد أيضاً في مصححّة الريّان بن شَبيب التي سبق الكلام في صحّتها : "ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله(عليه السلام)".
    ونحن ذاكرون هنا أربعة أحاديث معتبرة، وهي: موثّقة حنان بن سدير، وموثّقة عبد الخالق بن عبد ربّه، وموثّقة أبي بصير، ومصحّحة كُلَيب بن معاوية.
    وإليك تفصيل الكلام في تحقيق صحّة هذه الروايات الأربعة ووثاقة رواتها:
    الرواية الاُولى: موثّقة حنان بن سدير
    روى الحِميَري في قرب الإسناد عن محمّد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمّد، جميعاً عن حنان بن سدير في حديث عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال ـ بعد ذكر فضيلة زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) ـ :
    زوروه ولا تجفوه، فإنّه سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة، وشبيه يحيى بن زكريا، وعليهما بكت السماء والأرض[411]
    رواها العلاّمة المجلسي، والحرّ العاملي[412]
    وكما تعلم فإنّ كتاب قرب الإسناد الذي ألّفه عبد الله بن جعفر الحِميَري من الكتب المعتمدة عند أصحابنا، وهو مجموعة من الأخبار المسندة إلى المعصوم(عليه السلام)لقلّة وسائطه . وقد كان الإسناد العالي عند القدماء ممّا يُشدّ له الرحال وتبتهج به أعيَن الرجال ، ولذا أفردوه بالتصنيف[413]
    وقد تعرّضنا لوثاقة عبد الله بن جعفر الحِميَري، والآن نتعرّض لوثاقة بقيّة رجال السند.
    وثاقة محمّد بن عبد الحميد
    عدّه البرقي في رجاله في أصحاب الرضا(عليه السلام) بعنوان "محمّد بن عبد الحميد العطّار"[414]
    وأورده النجاشي في رجاله بعنوان "محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطّار" ، وذكر أنّه كان ثقةً من أصحابنا الكوفيّين[415]
    وذكره الشيخ في فهرسته[416]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن عبد الحميد العطّار : أبوه عبد الحميد بن سالم العطّار ، مولىً لبَجِيلة ".
    واُخرى في أصحاب العسكري(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن عبد الحميد العطّار : كوفىّ ، مولى بَجِيلة ".
    وثالثةً فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام) قائلاً : "محمّد بن عبد الحميد : روى عنه ابن الوليد"[417]
    وثاقة عبد الصمد بن محمّد
    ذكره الشيخ في رجاله قائلاً: "عبد الصمد بن محمّد: قمّي"[418]
    وليس للرجل توثيق صريح في كتب الرجال، وهذا لا يضرّ باعتبار الرواية ; لأنّ محمّد بن عبد الحميد الثقة روى هذه الرواية في هذه الطبقة أيضاً.
    وثاقة حنان بن سدير
    أورده النجاشي في رجاله بعنوان "حَنَان بن سَدِير بن حكيم بن صُهَيب الصيرفي" ، وذكر أنّه عمّر عمراً طويلا[419]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "حَنَان بن سَدِير : له كتاب ، وهو ثقة"[420]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "حَنَان بن سَدِير بن حكيم بن صُهَيب الصيرفي الكوفي ".
    واُخرى في أصحاب الكاظم(عليه السلام) قائلاً : "حَنَان بن سَدِير الصيرفي : واقفىّ"[421]
    والحاصل من هذا: أنّ جميع رجال الرواية من ثقات الإمامية، إلاّ حنان بن سدير، فإنّه كان واقفياً، فالرواية بالنتيجة موثّقة[422]
    الرواية الثانية: موثّقة عبد الخالق بن عبد ربّه
    روى ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن عبد الله بن بُكَير، عن زرارة، عن عبد الخالق بن عبد ربّه، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول:
    لم يجعل له من قبل سميّاً الحسين بن علي، لم يكن له من قبل سميّاً، ويحيى بن زكريا(عليه السلام) لم يكن له من قبل سميّاً، ولم تبك السماء إلاّ عليهما أربعين صباحاً .
    قال: قلت: ما بكاؤها؟
    قال: كانت تطلع حمراء وتغرب حمراء[423]
    ذكرها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار[424]
    وقد تعرّضنا لوثاقة ابن قُولَوَيه، وأبيه، وسعد بن عبد الله، وأحمد بن محمّد بن عيسى، والحسن بن علي بن فضّال، والآن نتعرّض لوثاقة بقيّة رجال السند .
    وثاقة عبد الله بن بُكَير
    عدّه البرقي في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "عبد الله بن بُكَير بن أعيَن : من موالي بني شيبان ، ويُكنّى أبا علي"[425]
    وذكره الكشّي ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم[426]
    أورده النجاشي في رجاله[427]
    ووثّقه الشيخ في فهرسته، وذكر أنّه كان فطحياً[428]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "عبد الله بن بُكَير بن أعيَن، الشيباني" .
    واُخرى بعنوان "عبد الله بن بُكَير بن أعيَن الشيباني"[429]
    وثاقة زرارة بن أعيَن
    عدّه البرقي في رجاله تارةً في أصحاب الباقر(عليه السلام) قائلاً : "زُرارة وحُمرَان ابنا أعيَن مولى بني شيبان ".
    واُخرى في أصحاب الصادق(عليه السلام)، وثالثةً في أصحاب الكاظم(عليه السلام) مع وصفه بالشيباني[430]
    وصنّفه الكشّي من حواريي الباقر والصادق(عليهما السلام) ، وذكر له مدائح عظيمة، وكذلك ذكر له ذموماً ، وعدّه ممّن اجتمعت العصابة على تصديقهم بالفقه[431]
    ذكر النجاشي في رجاله أنّه كان شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم، وكان قارئاً فقيهاً متكلّماً شاعراً أديباً، اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقاً فيما يرويه[432]
    وذكره الشيخ في فهرسته[433]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الباقر(عليه السلام) قائلاً : "زُرارة بن أعيَن الشيباني : مولاهم ".
    واُخرى في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "زُرارة بن أعيَن الشيباني: مولاهم ، كوفىّ ، يُكنّى أبا الحسن ، مات سنة خمسين ومئة بعد أبي عبد الله(عليه السلام) ".
    وثالثةً في أصحاب الكاظم(عليه السلام) قائلاً : "زُرارة بن أعيَن الشيباني : ثقة ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله(عليهما السلام)"[434]
    وثاقة عبد الخالق بن عبد ربّه
    وثّقه النجاشي في رجاله في ترجمة أخيه إسماعيل بن عبد ربّه[435]
    وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً: "عبد الخالق بن عبد ربّه: أخو شهاب[436]
    فالرواية موثّقة بعبد الله بن بُكَير ; لأنّ الشيخ صرّح في فهرسته بأنّه كان فطحياً[437]
    وقد سبق الكلام في أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث ـ مضافاً إلى وثاقة الراوي ـ كان على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة، والآن نقول : إنّ هذه الرواية ذُكرت في كتاب عبد الله بن بُكَير، وهو كتاب معتمد عند أصحابنا.
    وإليك تفصيل الكلام في هذه الجهة:
    فلو راجعنا فهرست الشيخ نجد أنّه ذكر لعبد الله بن بُكَير كتاباً رواه الشيخ بالإسناد عن ابن بطّة، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن ابن بُكَير[438]
    ونجد في هذا السند أنّ ابن قُولَوَيه روى عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن عبد الله بن بُكَير. ممّا يعني أنّ هذه الرواية ذُكرت في كتاب عبد الله بن بُكَير.
    والظاهر أنّ عبد الله بن بُكَير ذكر هذا الحديث في كتابه، ثمّ تحمّل ابن فضّال الكتاب منه، ولمّا سافر أحمد بن محمّد بن عيسى إلى الكوفة سمع هذا الكتاب من ابن فضّال ونقله إلى مدينة قمّ، ومن ثمّ تحمّل سعد بن عبد الله الكتاب من أحمد بن محمّد بن عيسى ونقله لوالد صاحب كامل الزيارات.
    وبالجملة : أنّ كتاب ابن بُكَير كان عند ابن قُولَوَيه، وأنّه تحمّله من والده، عن سعد عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عنه.
    الرواية الثالثة: موثّقة أبي بصير
    روى أبو بصير رواية ذكر فيها بكاء أهل السماء والأرض على الحسين(عليه السلام)، ولهذه الرواية سندان:
    السند الأوّل: ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن وهيب بن حفص النحّاس، عن أبي بصير .
    السند الثاني: ابن قُولَوَيه عن محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن وهيب بن حفص النحّاس، عن أبي بصير.
    ونصّ الرواية : روى أبو بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال:
    إنّ الحسين(عليه السلام) بكى لقتله السماء والأرض واحمرّتا، ولم تبكيا على أحد قطّ، إلاّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي(عليهما السلام)[439]
    رواها الراوندي في قصص الأنبياء، والعلاّمة المجلسي في بحار الأنوار[440]
    وبتحقيق الرواية بسنديها، فنقول:
    تحقيق السند الأوّل
    ذكرنا إسناد ابن قُولَوَيه عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن وهيب بن حفص النحّاس، عن أبي بصير.
    وقد تعرّضنا لوثاقة رجال السند، وبقي الكلام في وثاقة وهيب بن حفص.
    وثاقة وُهَيب بن حَفص النحّاس
    أورده النجاشي في رجاله قائلاً: "وُهَيب بن حَفص : أبو علي ، الجريري ، مولى بني أسد ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن(عليهما السلام) ، ووقف ، وكان ثقة"[441]
    وذكره الشيخ في فهرسته[442]
    وذكره في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) ، بعنوان "وهب بن حَفص"[443]
    فهذه الرواية موثّقة بوهَيب بن حفص ; لأنّه كان واقفياً.
    تحقيق السند الثاني
    ذكرنا إسناد ابن قُولَوَيه عن محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن وهيب بن حفص النحّاس، عن أبي بصير.
    وقد سبق الكلام في وثاقة رجال السند، وبقي الكلام في وثاقة محمّد بن جعفر الرزّاز.
    وبيّنا أنّه ليس لمحمّد بن جعفر الرزّاز توثيق صريح في كتب الرجال، ولكنّه من مشايخ ابن قُولَوَيه، وسبق الكلام في تحقيق وبحث وثاقة مشايخ ابن قُولَوَيه، وعليه فالرجل ثقة.
    وأيضاً قد سبق أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث ـ مضافاً إلى وثاقة الراوي ـ كان على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة، والآن نقول : إنّ هذه الرواية بسندها الأوّل والثاني ذُكرت في كتاب النوادر لمحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الذي يعدّ من الكتب المعتمدة عند أصحابنا.
    فلو راجعنا فهرست الطوسي نجد أنّه ذكر أنّ لمحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب كتاب النوادر[444]
    ويبدو أنّ أبا بصير سمع هذا الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) ونقله لوهَيب بن حفص، وبعد ذلك سمع محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الحديث من وهَيب بن حفص، ثمّ لمّا أراد محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب أن يكتب نوادره، ذكره في كتابه.
    فكتاب النوادر لمحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب دوّن واُلّف في الكوفة، وبعد ذلك انتقل هذا الكتاب إلى مدرسة الحديث في قمّ بواسطة سعد بن عبد الله، وقام محمّد بن جعفر الرزّاز بتحمّل هذا الكتاب من مؤلّفه.
    فيبدو أنّه وصلت إلى ابن قُولَوَيه نسختان من كتاب محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، وهما: نسخة سعد بن عبد الله، ونسخة محمّد بن جعفر الرزّاز.
    والحاصل من هذا: أنّ الرواية بسندها الأوّل والثاني مصحّحة، كما أنّ المصدر الذي ذُكرت فيه الرواية كان في غاية الاعتبار.
    الرواية الرابعة: مصحّحة كُلَيب بن معاوية
    روى ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات عن أبيه وجماعة مشايخه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير، عن حمّاد، عن كُلَيب بن معاوية.
    ونصّ الرواية : روى كُلَيب بن معاوية عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال:
    كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زِناً، وكان قاتل الحسين(عليه السلام) ولد زِناً، ولم تبكِ السماء إلاّ عليهما[445]
    رواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار[446]
    وقد تعرّضنا لوثاقة رجال السند، وبقي الكلام في وثاقة جعفر بن بشير وحمّاد بن عيسى وكُلَيب بن معاوية[447]
    وثاقة جعفر بن بشير
    ذكر الكشّي أنّه مولى بَجِيلة ، وكان كوفيّاً[448]
    وأورده النجاشي في رجاله قائلاً: "جعفر بن بشير أبو محمّد البَجَلي الوشّاء : من زهّاد أصحابنا وعبّادهم ونسّاكهم ، وكان ثقة ... كان أبو العبّاس بن نوح يقول : كان يُلقّب فقحة[449450]
    ذكره الشيخ في فهرسته ووثّقه[451]
    وذكره في رجاله في أصحاب الرضا(عليه السلام) بعنوان "جعفر بن بشير البَجَلي"[452]
    وثاقة حمّاد بن عيسى
    عدّه البرقي في رجاله تارةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) ، واُخرى في أصحاب الكاظم(عليه السلام) ، وثالثةً في أصحاب الرضا(عليه السلام)[453]
    وذكر الكشّي أنّه كان فاضلا ، خيّراً ، ثقة ، وعدّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم[454]
    وأورده النجاشي في رجاله ووثّقه ، وذكر أنّه روى عن الكاظم والرضا(عليهما السلام)[455]
    وذكره الشيخ في فهرسته، وذكر أنّه كان ثقة ، جليل القدر[456]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "حمّاد بن عثمان : ذو الناب ، مولىً ، غنيّ ، كوفىّ ".
    واُخرى في أصحاب الكاظم(عليه السلام) قائلاً : "حمّاد بن عثمان : لقبه الناب ، مولى الأزد ، كوفىّ ، له كتاب ".[457]
    وثاقة كُلَيب بن معاوية
    عدّه البرقي في رجاله تارةً في أصحاب الباقر(عليه السلام) بعنوان "كُلَيب بن معاوية الأسدي" ، واُخرى في أصحاب الصادق(عليه السلام)بنفس العنوان مع وصفه بالصيداوي[458]
    وذكر الكشّي أنّه سُمّي بكُلَيب التسليم ، وذكر مدحه[459]
    وأورده النجاشي في رجاله بعنوان "كُلَيب بن معاوية بن جَبَلَة ، الصيداوي ، الأسدي"[460]
    وذكره الشيخ في فهرسته[461]
    وذكره في رجاله في أصحاب الباقر(عليه السلام) والصادق[462]
    وبالجملة : ليس لكُليب بن معاوية توثيق صريح في كتب الرجال، ولكنّه من مشايخ ابن أبي عُمَير[463]
    فالحاصل: أنّ هذه الرواية مصحّحة بكُلَيب بن معاوية.
    والظاهر أنّ هذه الرواية ذُكرت أيضاً في كتاب النوادر لجعفر بن بشير، وهذا الكتاب من الكتب المعتبرة عند قدماء أصحابنا، فلو راجعنا رجال النجاشي في ترجمة جعفر بن بشير، نجد أنّه ذكر له كتاب النوادر، ورواه محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب[464]
    ونجد أيضاً أنّ ابن قُولَوَيه روى عن أبيه وجماعة مشايخه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير. ومعنى ذلك أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب النوادر لجعفر بن بشير.
    ويشهد لذلك أنّ محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب روى عن جعفر بن بشير في الكافي والتهذيب والاستبصار أكثر من مئة مورد[465]
    وبالجملة : أنّ جعفر بن بشير الكوفي سمع هذا الحديث في الكوفة من اُستاذه حمّاد بن عيسى وذكره في كتابه النوادر، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب وأحمد بن محمّد بن عيسى تحمّلا الكتاب من مؤلّفه جعفر بن بشير.
    فيبدو أنّ لهذا الكتاب نسختين: نسخة كوفية، وهي نسخة محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، ونسخة قمّية، وهي نسخة أحمد بن محمّد بن عيسى.
    وكيف كان، فإنّ سعد بن عبد الله الأشعري القمّي تحمّل هاتين النسختين، ووصلتا إلى ابن قُولَوَيه بطريق معتبر، وقام هو بذكر هذا الحديث من نوادر جعفر بن بشير بنسختيه.
    فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ رواية كُلَيب بن معاوية من الروايات المصحّحة، كما أنّها مذكورة في نسختين من كتاب النوادر لجعفر بن بشير، وهذا المصدر كان في غاية الاعتبار.
    ونختم هذا الفصل من الكتاب بذكر بعض الأحاديث التي كان مضمونها قريباً من الأحاديث التي ذكرناها:
    الحديث الأوّل: عن الحسن بن الحكم النَّخَعي، عن رجل، قال: سمعت أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو يقول في الرحبة، وهو يتلو هذه الآية: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَ الاَْرْضُ وَ مَا كَانُوا مُنظَرِينَ)[466467]
    الحديث الثاني: عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن هلال، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: إنّ السماء بكت على الحسين بن علي ويحيى بن زكريا، ولم تبكِ على أحد غيرهما. قلت: وما بكاؤها؟، قال: مكثوا أربعين يوماً تطلع الشمس بحمرة وتغرب بحمرة، قلت: فذاك بكاؤها؟ قال: نعم[468]
    الحديث الثالث: عن إبراهيم النَّخَعي، قال: خرج أمير المؤمنين(عليه السلام) فجلس في المسجد واجتمع أصحابه حوله، وجاء الحسين(عليه السلام) حتّى قام بين يديه، فوضع يده على رأسه فقال: يا بُنيّ، إنّ الله عيّر أقواماً بالقرآن، فقال: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَ الاَْرْضُ وَ مَا كَانُوا مُنظَرِينَ)، وايم الله، ليَقتُلنّك بعدي ثمّ تبكيك السماء والأرض[469]
    الحديث الرابع: عن محمّد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله(عليه السلام) في قوله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَآءُ وَ الاَْرْضُ وَ مَا كَانُوا مُنظَرِينَ)، قال: لم تبكِ السماء على أحد منذ قُتل يحيى بن زكريا، حتّى قُتل الحسين(عليه السلام) فبكت عليه[470]
    الحديث الخامس: عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: احمرّت السماء حين قُتل الحسين(عليه السلام) سنة . ثمّ قال : بكت السماوات والأرض على الحسين وعلى يحيى بن زكريا، وحمرتها بكاؤها[471]


    الخاتمة
    وكما نعلم أنّ لأهل البيت(عليهم السلام) مقاماً وجاهاً عند الله محموداً ، وأنّ لهم عند الله محبّة ليست لأحد من خلقه مثلها . ولكنّ السؤال الذي يلحّ على الأذهان: لو كانت لهم كلّ هذه المقامات عند الله وهذه الكرامات ، فلمَ هم مبتلون بكلّ هذه الابتلاءات ، ولمَ جرت عليهم النوائب بما لم تجرِ على أحد من الخلق ؟
    ما السبب أنّ الحسين مع ما له من المقام المحمود عند الله وأنّه بضعة نبيّه الكريم، يُقتل غريباً عطشاناً ، ويُحزّ رأسه من القفا ويُسلب ما عليه من الردا، وتطأ الخيل صدره ، ثمّ يُسبى عياله وبناته بأبشع صورة من صور السبي والإذلال ، فلا يهيّئ الله تعالى له أسباب النصر على أعدائه ؟
    ألسنا نعتقد أنّ دعاء أهل البيت(عليهم السلام) مستجاب عند الله ؟ أوَ لم يدعو الإمام الحسين(عليه السلام) بطلب النصر ؟
    فيا ترى ما السرّ بنزول كلّ هذا البلاء والمصائب على الإمام الحسين(عليه السلام) حتّى كان يومه ولا كلّ يوم مثله؟
    وفي ختام هذا الكتاب نحاول أن نجيب عن هذه الأسئلة ولعلّنا نصل إلى سرّ هذ الابتلاءات ; كي تكون على بصيرة ويتّضح لك أنّ سرّ كلّ هذه المصائب والويلات التي جرت على الإمام الحسين(عليه السلام) ، وكان ما حصل لهم على جميع أئمّة أهل البيت: ، إنّما هو لتصفيتهم والعبور بهم للوصول إلى المقام السامي الذي يقرّبهم من المقام الإلهي المحمود ، فيصفون من الشوائب والكدورات الدنيوية ، فيكملون ويتمّون وما حصل لهم هو شبيه بعمل النار بالذهب وتصفّيه وتنقّيه ممّا اختلط به من كدورات وشوائب تؤثّر على صفائه ورونقه . فلا تنال كرامة من الله دون الصبر على بلائه .
    وإليك روايتين صحيحتين تؤيّدان ما نرمي إلى توضيحه لك ، لكي تكون على بصيرة وبصيرة بحقيقة بلاء الأولياء .



    صحيحة علي بن رِئاب
    ولهذه الرواية ثلاثة أسانيد:
    السند الأوّل: روى الشيخ الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب.
    السند الثاني: روى الشيخ الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب.
    السند الثالث: روى الشيخ الصدوق عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب.
    ونصّ الرواية : قال علي بن رِئاب:
    سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (وَ مَآ أَصَـبَكُم مِّن مُّصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَن كَثِير)[472]
    فقال(عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يتوب إلى الله عزّ وجلّ ويستغفره في كلّ يوم وليلة مئة مرّة من غير ذنب، إنّ الله عزّ وجلّ يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب[473]
    رواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار[474]
    ونبدأ بتحقيق وبحث الحديث بأسانيده الثلاثة، فنقول:
    تحقيق السند الأوّل
    ذكرنا إسناد الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب.
    وقد تعرّضنا لوثاقة رجال السند، وبقي الكلام في وثاقة علي بن رِئاب.
    وثاقة علي بن رِئاب
    عدّه البرقي في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "علي بن رِئاب : مولى حزم[475]
    وأورده النجاشي في رجاله[476]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "علي بن رِئاب الكوفي : له أصل كبير ، وهو ثقة جليل القدر"[477478]
    فالحديث بسنده الأوّل صحيح أعلائي.
    تحقيق السند الثاني
    ذكرنا إسناد الشيخ الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب.
    قال النجاشي في حقّ سهل بن زياد : إنّه كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد عليه[479480]
    إذن فالرواية بسندها الثاني ليست صحيحة.
    تحقيق السند الثالث
    ذكرنا إسناد الشيخ الصدوق عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب.
    وقد تعرّضنا لوثاقة جميع رجال السند، وعليه فالحديث بسنده الثالث أيضاً صحيح أعلائي.
    وقد سبق أن ذكرنا أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث ـ مضافاً إلى وثاقة الراوي ـ كان على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة، والآن نقول : إنّ هذه الرواية ذُكرت في أصل علي بن رِئاب[481]
    فلو راجعنا فهرست الشيخ، نجد أنّه ذكر لعلي بن رِئاب أصلاً كبيراً ورواه بالإسناد عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب[482]
    وكما تعلم فإنّ هذا الطريق يتّحد مع السند الثالث لهذه الرواية، ممّا يدلّ على أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في أصل علي بن رِئاب الذي سمعها عن الإمام الصادق(عليه السلام) وذكرها في أصله، كما أنّ الحسن بن محبوب تحمّل هذا الأصل من علي بن رِئاب، ثمّ تحمّل ثلاثة من مشايخ مدينة قمّ ( إبراهيم بن هاشم، وسهل بن زياد، وأحمد بن محمّد بن عيسى ) أصل علي بن رِئاب من الحسن بن محبوب.
    وبالجملة : أنّه وصل إلى الشيخ الكليني والشيخ الصدوق أصل علي بن رِئاب بطريق صحيح، وأنّهما قاما بنقل هذا الحديث منه.
    فتبيّن من هذا: أنّ رواية علي بن رِئاب صحيحة بسندها الأوّل والثالث، كما أنّ المصدر الذي ذُكرت فيه الرواية كان في غاية الاعتبار.


    صحيحة ضُرَيس الكُنَاسي
    ولهذه الرواية سندان:
    السند الأوّل: روى الشيخ الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب، عن ضُرَيس الكُنَاسي.
    السند الثاني: روى الصفّار في بصائر الدرجات عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب، عن ضُرَيس الكُنَاسي، قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول واُناس من أصحابه حوله:
    عجبت من قوم يتولّوننا ويجعلوننا أئمّة، ويصفون بأنّ طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة رسول الله، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصون حقّنا ويعيبون بذلك علينا من أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا، والتسليم لأمرنا.
    أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثمّ يُخفي عنهم أخبار السماوات والأرض، ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم؟
    فقال له حُمرَان: جُعلت فداك يا أبا جعفر، أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب(عليه السلام) والحسن والحسين وخروجهم وقيامهم بدين الله وما أُصيبوا به من قتل الطواغيت إيّاهم والظفر بهم حتّى قُتلوا وغلبوا؟
    فقال أبو جعفر(عليه السلام): يا حُمرَان، إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه، وحَتَمه على سبيل الاختبار، ثمّ أجراه، فبتقدّم علم من رسول الله إليهم في ذلك قام عليّ والحسن والحسين(عليهم السلام)، وبعلم صمت من صمت منّا.
    ولو أنّهم يا حُمرَان حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله دفع ذلك عنهم وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم، إذاً لأجابهم ودفع ذلك عنهم، ثمّ كان انقضاء مدّة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد .
    وما كان الذي أصابهم من ذلك يا حُمرَان لذنب اقترفوه، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها، فلا تذهبنّ فيهم المذاهب[483]
    ذكرها الراوندي في الدعوات، والعلاّمة المجلسي في بحار الأنوار[484]
    تحقيق السند الأوّل
    ذكرنا إسناد الشيخ الكليني عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب، عن ضُرَيس الكُنَاسي.
    وقد سبق الكلام في وثاقة رجال السند، وبقي الكلام في وثاقة ضُرَيس الكُنَاسي.
    وثاقة ضُرَيس الكُنَاسي
    عدّه البرقي في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام)[485]
    وذكره الكشّي في رجاله قائلاً: "ضُرَيس إنّما سُمّي الكناسي ; لأنّ تجارته بالكُناسة، وكانت تحته بنت حُمرَان، وهو خيّر فاضل، ثقة"[486]
    وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً: "ضُرَيس بن عبد الملك بن أعيَن الشيباني الكوفي، أبو عُمَارة، وأخوه علي"[487]
    فالحديث بسنده الأوّل صحيح أعلائي.
    تحقيق السند الثاني
    ذكرنا إسناد الصفّار عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رِئاب، عن ضُرَيس الكُنَاسي.
    وقد سبق الكلام في وثاقة جميع رجال هذا السند، وعليه فالحديث بهذا السند أيضاً صحيح أعلائي.
    والظاهر أنّ هذا الحديث إنّما ذُكر في أصل علي بن رِئاب على شرح بينّاه آنفاً، وشرحنا أنّ أصل علي بن رِئاب كان من المصادر المعتبرة عند قدماء أصحابنا.
    * * *
    فتحصّل من جميع ما سردناه لك في هذا الكتاب صحّة 11 حديثاً من الأحاديث الواردة في البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام)، والتي جاء فيها أنّ البكاء عليه يوجب غفران الذنوب العظام، وأنّ الباكي للحسين(عليه السلام) يكون في الدرجات العلى من الجنان مع الأئمّة(عليهم السلام)، وأنّ الله جعل يوم القيامة للباكي عليه يوم سرور وفرح، وبوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً.
    سيّدي ومولاي ، أيّها الشهيد يابن رسول الله ! لا يمكن لشيعتك نسيان مصابك ; مصاب عطشك ، مصاب مقتلك بهذه الطريقة اللاّإنسانية ، مصاب ذبح طفلك
    الرضيع بين يديك ، مصاب أسر أهل بيتك ، كيف ينسون ذلك وهم يتبرّكون بالبكاء عليك رجاء أن تنزل عليهم رحمة من الله .
    سيّدي أبا عبد الله، نبكيك لا طمعاً أو حزناً أو مواساتاً وحسب ، بل نبكيك سيرتاً وتقليداً وإدامةً لمسيرتك التي لخّصتها بقولك : " ومثلي لا يبايع مثله " ، فنحن مثلك لا مثل أعدائك .
    وأنّ بقاءنا يا سيّدي مرهون بهذه الدموع، فمتى جفّت فلا خير فينا ولا في دنيانا ، وكيف تجفّ وملائكة الله تبكيك إلى يوم القيامة ؟
    سيّدي ومولاي ، لطالما كان بين جوانحي قلب ينبض بحبّك ، فلن أدع حبري يجفّ عن الدفاع عنك ، يواسي بذلك دموع عيني التوّاقة للنظر إلى نور وجهك، والحشر معك تحت رحمة المليك المقتدر .

    * * *


    * * *


    * * *


    وكما تعلم فإنّ هذا الحبّ الذي يضطرم في قلبي وجوانحي كان حافزي على كتابة هذه السطور وتسويد هذه الوريقات ، ليس لي همّ غير أن أحظى برضاك وقبولك هديتي المزجاة ، راجياً الشفاعة، وأن أحصل على كلّ ما وُعِدنا بتلك الأحاديث التي أثبتُّ صحّتها لإخواني من شيعتك .
    وأحمد الله وأشكره أن هيّأ لي الفرص لإتمام هذا الكتاب، ووفّقني وسهّل عليّ ما صعب من مراحله ، وأثني عليه على جزيل عطائه وجميل فعاله، أنّه وليّ حميد .
    سائلاً أن يثيبنا على ما بذلنا من الجهد ، وأن يجعله كتاباً ينتفع به المؤمنون ، ويمحي الشكّ به عن قلوب اُولئك الذين تساءلوا عن مضامين هذه الروايات التي بذلنا لإثبات صحّة مضامينها ما نرجو عليه الإثابة، والله وليّ المؤمنين.
    وختاماً، أرجو منه تبارك وتعالى لي ولإخواني القرّاء قبول هذا العمل المتواضع خالصاً لوجهه الكريم ، فننال به رضاه ، وأن يجعل سعينا كلّه ذخيرة للفوز في المعاد والقرب من نبيّه محمّد وآله الأطهار الميامين ، صلوات الله عليهم أجمعين ، والحمد لله ربّ العالمين .
    مهدي خدّاميان الآراني
    محرّم الحرام 1430 ـ قمّ المقدّسة


نوشته ها در باره این

نظر شما

.شما در حال ارسال نظر براي از كتاب الصحيح فى البكاء الحسينى نوشته مهدى خداميان هستید

‌اگر مي خواهيد مطلب ديگري - كه ربطي به اين ندارد- براي من بفرستيداينجا را كليك كنيد.


عنوان این فیلد نمی تواند خالی باشد.
متن نظر شما
لطفا ایمیل خود را وارد کنید * این فیلد نمی تواند خالی باشد.لطفا ایمیل را صحیح وارد نمایید.
لطفا نام خود را وارد نمایید


ابتدای متن