وإذا بأبي بكر يلتفت نحو الناس فيقول لهم : أيّها الناس، هلمّوا إلى عمر فبايعوه !
ينظر الناس بعضهم إلى بعض ، ويتنادون : كلاّ ، لن نبايع له .
يلتفت عمر نحوهم متسائلاً : لِمَ ؟
فقال الناس : نخاف الإثرة .
يُطرق عمر مليّاً قبل أن يجيب بقوله : إذن بايعوا أبا بكر !
فيما أبو بكر يقترح مبايعة عمر مرّة أُخرى
[28] يحدّق الجميع فيهما !
عندها ينهض عمر من مكانه فيقول : يا أبا بكر! لن نتقدّمك أبداً، فأنت أفضلنا ، ابسط يدك نبايعك
[29] انظر ، يأخذ عمر بيد أبي بكر ويقول : أيّها الناس، بايِعوا أبا بكر !
[30] لا زلت تتذكّر بشير ؟ ذلك الذي وقف قبل قليل مؤيّداً لأبي بكر ، ينهض من مكانه ويتوجّه إلى أبي بكر ويبايعه
[31] نعم ، أوّل شخص بايع أبا بكر هو بشير ، كلّ ذلك حسداً منه لسعد من أن يصبح خليفةً للمسلمين .
حبّاب ، أحد كبار رجال المدينة ، يلتفت نحو بشير فيقول له : يا بشير ! واللهِ لقد دفعك الحسد من ابن عمّك أن تفعل ما فعلت ، خفتَ أن يصبح سعد خليفة
[32] ثمّ بايع عمر .
رفيقي العزيز ! كما قلتُ لك ، إنّ المدينة تتشكّل من قبيلتين : الأوس والخزرج ، وكانت فيما بينهما حروبٌ دموية طاحنة .
واليوم ، أخذ كبار قبيلة الأوس يفكّرون فيما إذا انتُخب سعد (رئيس الخزرج) بعنوان خليفة على المسلمين، فإنّه فخر ما بعده فخر للخزرج .
انظر ذلك الرجل ، أعني رئيس الأوس .
أخذ يصيح بأعلى صوته : والله لئن وَلِيتْها الخزرج عليكم مرّة ، لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة والحكومة
[33] نعم ، بعث الحسد كبار قبيلة الأوس إلى مبايعة أبي بكر .
انظر إلى كبار قبيلة الأوس كيف يتدافعون على بيعة أبي بكر .
وتابَعَهم على موقفهم أفراد قبيلتهم .
وانظر كيف أنّ الناس في بيعة أبي بكر لا يميّزون بين الرأس والقدم .
التعصّب والقبلية أبعَدت الناسَ عن الطريق السويّ .
على كلّ حال ، بايع جلّ قبيلة الأوس أبا بكر .
بهذه السهولة بايع أهل السقيفة لأبي بكر .
نعم ، إلى هذه اللحظة لم يُذكَر موضوع الشورى أو الانتخاب، ليس هنا كلام حول هذه المفاهيم .
فمَن قال إنّه مُورِست عملية الانتخاب في هذه السقيفة فقد كذب وادّعى باطلا!
إذ عليّ والمقداد وسلمان وأبو ذر وعمّار وغيرهم من الأصحاب لم يكونوا حاضرين في السقيفة ، ولا واحد من بني هاشم فيهم .
أليس هؤلاء من المسلمين ؟! ألا يحقّ لهم إبداء رأيهم ؟!
إذا كانوا قد انتخبوا أبا بكر في السقيفة بدعوى أنّه أقرب الناس إلى النبيّ، وأوّلهم إسلاماً ، والحال أنّ الجميع كان يعلم أنّ عليّاً هو أقرب الناس إلى النبيّ ، وقد سبق إسلامه إسلام أبي بكر بسنوات .
لم يكن الدافع في بيعة الأوس لأبي بكر سوى الاختلاف والأحقاد المتمادية عبر سنين ما قبل الإسلام بين هاتين القبيلتين .
لو تعلم ما حصل بين هاتين القبيلتين يوم بِعاث ، أيّ حرب استعرّت بينهم وكم من الدماء أُريقت منهم
[34] وكان النصر ذلك اليوم حليف الخزرج ، واليوم تريد الأوس الانتقام وأخذ ثأرها من سعد
[35] نعم ، إنّما بايعَتِ الأوسُ أبا بكر لكي يحيلوا بين سعد والرئاسة! خافوا إن هم لم يبايعوا أبا بكر أن يصير الحكم إلى سعد!
حقّاً ، من هيّج النار الخاملة تحت الرماد بين هاتين القبيلتين اليوم ؟
من أشعل الفتنة بين هاتين القبيلتين ؟
إنّ جماعةً كانت ترى ضرورة حصول الاختلاف بين هاتين القبيلتين ، ولذا خطّطت لهذا الاختلاف بدهاء!