ويصيح أبو بكر مرّة أُخرى : دع عنك ذاك يا عليّ وبايعني، وإلاّ ضربنا عنقك .
فيما الحبل كان لا يزال في رقبة عليّ ، يلتفت نحو قبر النبيّ ويقرأ هذه الآية بقلب مكسور : (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى )
[150] نعم ، التاريخ يُعيد نفسه ، حينما ترك موسى أخاه في قومه وذهب إلى الطور ، عبد بنو إسرائيل بعده العجل ، ولم يقبلوا نصح هارون لهم .
أُولئك تركوا هارون وحيداً ولم ينصروه أمام أعدائه .
فلمّا عاد موسى من ميعاده ووجد قومه وقعوا في فتنة عبادة العجل وارتدّوا كفّاراً ، طلب توضيح ذلك من أخيه هارون .
فقال هارون : إنّهم تركوني وكادوا يقتلونني .
واليوم عليّ يعيد قول هارون مُذكِّراً بما جرى عليه مِن قِبل بني إسرائيل ، نعم، اليوم تركت الأُمّة عليّاً وحده، وكادوا يقتلونه .
يا تُرى ماذا سيحصل ؟ هل سيبايع عليّ ؟
يرفعون سيوفهم عالياً بانتظار أمر الخليفة .
فتحتبس الأنفاس في الصدور ، الكلّ ينظر وينتظر!
ويجلس التاريخ يتأمّل في مظلومية عليّ .
انظر هناك !
مَن هذا الشيخ الذي يُسرع الخُطى نحوهم ؟!
إنّه يصيح : اتركوا ابن أخي ، ولكم علَيَّ أن يبايعكم .
إنّه العبّاس عمّ النبيّ ، كبير بني هاشم وشيخهم .
جاء لإنقاذ ابن أخيه .
فما أن يسمع الخليفة صوت العبّاس ، حتّى يأمر بإخفاض السيوف .
يقترب العبّاس منهم ، ينظر إلى وجه عليّ ، غربة يومه أوجعت قلب العبّاس .
انظر إلى أصابع مولاك عليّ مضمومة !
كلّما حاول الناس فتحها وبسطها لم يستطيعوا .
فيأخذ العبّاس يد عليّ ويمسح بها وهي مقبوضة على يد أبي بكر
[151] فينظر عليّ نحو السماء ويقول :
اللّهمّ إنّك تعلم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قد قال لي : إن أتمّوا عشرين فجاهِدْهم .
أسفاً على مولاي عليّ ، لم يفِ له من الأصحاب سوى سلمان والمقداد وعمّار وأبو ذر ، لذا ليس له إلاّ أن يتجرّع مرارة الصبر
[152] ما قيمة الرئاسة وحكومة أيّام قلائل في هذه الدنيا حتّى تسوّل لكم أنفسكم أن تظلموا فاطمة بنت نبيّكم ؟
بماذا ستجيبون يوم القيامة حينما سيسائلكم نبيّكم عن ابنته فاطمة ؟
يُرفع الحبل عن رقبة عليّ .
الآن يمكنه الذهاب إلى بيته !!