هل من سبيل لرجوع الخليفة عن كلّ ظلم وحَيف ؟
لا أدري .
قرّر عليّ أن يكتب إلى الخليفة رسالة .
رسالة لأيّ شيء ؟
الخليفة في المسجد ، يمكن رؤيته في أيّ وقت تشاء .
ولكنّك تعلم أنّ كتابة شيء على ورقة أبعثُ على شدّ ذهن القارئ وشحذ تركيزه .
للكتابة تأثير يفوق الكلام أحياناً .
ينشغل علي بكتابة رسالة مهمّة .
رفيقي العزيز في هذا السفر ، أعلم كم أنت متلهّف لمعرفة ما كتبه علي .
هذه رسالة عليّ تعال أقرأها عليك :
" أما والله لو أُذن لي بما ليس لكم به علم لَحصدتُ رؤوسكم عن أجسادكم كحَبّ الحصيد بقواضب من حديد ، ولَقلعتُ من جماجم شجعانكم ما أقرح به آماقكم، وأوحش به محالكم .
فإنّي ـ منذ عرفتموني ـ مُردي العساكر، ومفني الجحافل، ومبيد خضرائكم، ومخمد ضوضائكم، وجزّار الدوارين إذ أنتم في بيوتكم معتكفون ، وإنّي لَصاحبكم بالأمس ، لَعَمر أبي وأُمّي لن تحبّوا أن تكون فينا الخلافة والنبوّة ، وأنتم تذكرون أحقاد بدر وثارات أُحد به، أما والله لو قلتُ ما سبق الله فيكم لتداخَلَت أضلاعكم في أجوافكم كتداخل أسنان دوّارة الرَّحى ، فإن نطقتُ تقولون: حسد ، وإن سكتُّ فيقال: جَزِع ابن أبي طالب من الموت . هيهات هيهات ! أنا الساعة يُقال لي هذا ؟ ! وأنا المميت المائت، وخوّاض المنايا في جوف ليل حالك، حامل السيفين الثقيلين، والرمحين الطويلين، ومنكّس الرايات في غطامط الغمرات، ومفرّج الكربات عن وجه خير البريات . إيهنوا، فواللهِ لاَبنُ أبي طالب آنسُ بالموت من الطفل إلى محالب أُمّه ، هَبَلتْكُم الهوابل . لو بحتُ بما أنزل الله سبحانه في كتابه فيكم لاَضطربتم اضطراب الأرشية في الطويّ البعيدة ، ولخرجتُم من بيوتكم هاربين، وعلى وجوهكم هائمين ... .
[177] ثمّ يرسل عليّ هذه الرسالة إلى أبي بكر .
يُصاب أبو بكر بهلع وخوف شديدين ; يتذكّر شجاعة علي .
نعم ، ذلكم علي مجندل فرسان العرب وساقي الأرض من دمائهم .