يصبر عليٌّ يوماً ، وها هو الآن يتوجّه نحو المسجد .
كان المسجد ممتلئاً بالناس ، يتقدّم عليٌّ إلى الأمام ويقول :
ـ لِمَ منعتَ فاطمة ميراثها من رسول الله ؟
ـ هذا فَيءٌ يعود للمسلمين ، فإن أقامت شهوداً بأنّ رسول الله جعله لها وإلاّ فلا حقّ لها .
ـ أسألك سؤالاً واحداً .
ـ اسأل .
ـ إن كان شخص يملك بيتاً وهو تحت تصرّفه ، ثمّ ادّعيتُ أنا فيه ، مَن تسأل البينّة ؟
ـ إيّاك أسأل البيّنَة على ما ادّعيت ، ولا أطالب صاحب البيت بالشهاد; لأنّ البيت تحت تصرفه .
ـ لماذا تحكم بهذا الحكم ؟
ـ إنّه حكم رسول الله ، لا يُطالَب المتصرّفُ بالمِلك بالشهادة ، وإنّما يُطالَب الشخص المدّعي.
ـ والآن عندي إليك سؤالاً آخر .
ـ اسأل .
ـ ثلاث سنوات انصرمت وفدك تحت تصرّف فاطمة ، وعندها وكيل عليها ، والآن يأتي البعض فيدّعي أنّ فدكاً مِلك بيت مال المسلمين ، أما كان عليك أن تطالبهم بالشهود ، وبحكمك السابق فإنّ فاطمة غير مُلزَمة بإحضار الشهود ، هذا شَرْع الإسلام ، فلِمَ حكمتَ خلاف شرع الإسلام ؟
يتحيّر أبو بكر عن الجواب !
هنا يتدخّل عمر لإنقاذ موقف الخليفة ، لِمَ لا؟ فهو قاضي الحكومة !
يقول عمر : ياعلي ! دعنا من كلامك، فإن أتت فاطمة بشهود عدول ، وإلاّ ففدك فيء للمسلمين ، لا حقّ لك ولا لفاطمة فيه .
يخاطب علي الخليفة مرّةً أُخرى قائلاً :
ـ يا أبا بكر ، تقرأ كتاب الله ؟
ـ نعم .
ـ هل قرأت هذه الآية ؟
ـ أيّةَ آية ؟
ـ (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )
[175] ـ نعم .
ـ فيمن نزلت ؟ فينا أُمّ في غيرنا ؟
ـ فيك وفاطمة والحسن والحسين .
ـ يا أبا بكر ، والآن أسألك: لو أنّ شهوداً شهدوا على فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بفاحشة ، ما كنتَ صانعاً بها ؟
ـ أُقيم عليها الحدَّ كما أُقيمه على نساء المسلمين !
ـ إذن كنت عند الله من الكافرين !
ـ ولِم ؟!
ـ لأنّك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقَبِلت شهادةَ الناس عليها .
ـ عجباً !
ـ يا أبا بكر ، إنّك لم تقبل شهادة فاطمة في فدك ثمّ قَبِلتَ شهادة أعرابيّ ، أليس القرآن يشهد لفاطمة بالطهارة وذَهاب الرجس عنها ؟ فهل شهادة ذلك الأعرابي أعلى من شهادة الله ؟ !
فلم يَحِر أبو بكر جواباً .
عندها عرف الجميع أنّ أبا بكر ارتأى وقضى خلاف ما أنزل الله في القرآن .
ولم يحر عمر جواباً أيضاً .
ولأوّل مرّة يغضب الناس على الخليفة .
لماذا يتكلّم الخليفة خلاف القرآن ؟
يصيح بعضهم : واللهِ إنّ عليّاً لصادق .
وهكذا يعتبر الجواب البليغ والمحكم لعليٍّ ضربةً كبيرة لحكومة الخليفة وفضحاً لحالها!
[176] ويرجع علي إلى بيته .