کتب دکتر مهدی خدامیان آرانی - سایت نابناک

سایت استاد مهدي خداميان آرانی

در حال بارگذاری

    لزوم الزيارة الحسينيّة

     لزوم الزيارة الحسينيّة


    هناك روايات عديدة تنصّ على أنّ زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) فرض وعهد لازم على كلّ مؤمن ومؤمنة ، غير أنّنا سنقتصر في هذا الفصل على ذكر صحيحتين ، وهما: صحيحة محمّد بن مسلم، وصحيحة سعيد الأعرج.
    صحيحة محمّد بن مسلم
    ولهذه الرواية خمسة أسانيد:
    السند الأوّل: روى ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات عن أبيه وجماعة من مشايخه، عن سعد ومحمّد العطّار والحِميَريّ جميعاً، عن ابن عيسى، عن ابن بَزِيع، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم.
    السند الثاني: روى الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه بإسناده عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم.
    السند الثالث: الشيخ الصدوق في الأمالي عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم.
    السند الرابع: روى الشيخ المفيد في مزاره عن ابن قُولَوَيه، عن أبيه وابن الوليد، عن الحسن بن مَتّيل، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم.
    السند الخامس: روى الشيخ الطوسيّ في تهذيب الأحكام، عن محمّد بن أحمد بن داود، عن ابن الوليد، عن الحسن بن مَتّيل وغيره من الشيوخ، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم.
    نصّ الرواية: قال محمّد بن مسلم: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول:
    مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي(عليه السلام); فإنّ إتيانه يزيد في الرزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفروض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين بالإمامة من الله[35]
    وورد في كتاب من لا يحضره الفقيه : "فإنّ زيارته تدفع الهدم والغرق والحرق وأكل السبع"، بدل: "فإنّ إتيانه يزيد في الرزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مدافع السوء"، ورد في آخره: "وزيارته مفترضة على من أقرّ للحسين بالإمامة من الله عزّ وجلّ".
    وفي تهذيب الأحكام: "يقرّ له" بدل: "يقرّ للحسين"، ولم يرد في المزار للمفيد : "فإنّ إتيانه يزيد في الرزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مدافع السوء".
    وقد ذكرها الفتّال النيسابوريّ في روضة الواعظين، وابن شهر اشوب في المناقب، والشيخ المفيد في المقنعة، وابن المشهديّ في مزاره، وذكرها أيضاً العلاّمة المجلسيّ والحرّ العامليّ.[36]
    وبعد هذا لابدّ من مراجعة هذه الأسانيد الخمسة بدقّة وتحقيقها، فنقول:
    تحقيق السند الأوّل
    ذكرنا إسناد ابن قُولَوَيه عن أبيه وجماعة من مشايخه، عن سعد ومحمّد العطّار والحِميَريّ جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بَزِيع، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم.
    ففي في هذا السند تسعة رجال، ونتعرّض لتوثيق كلّ واحد منهم رجالياً:
    وثاقة جعفر بن محمّد بن قُولَوَيه
    أورده النجاشيّ في رجاله قائلاً : "جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قُولَوَيه : أبو القاسم ، وكان أبوه يُلقّب مسلمة ، من خيار أصحاب سعد ، وكان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلاّئهم في الحديث والفقه ، روى عن أبيه وأخيه، عن سعد ، وقال : ما سمعتُ من سعد إلاّ أربعة أحاديث ، وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله الفقه ومنه حمل ، وكلّ ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه ".[37]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "جعفر بن محمّد بن قُولَوَيه القمّيّ : يُكنّى أبا القاسم ، ثقة ، له تصانيف كثيرة على عدد أبواب الفقه".[38]
    وذكره في رجاله فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام) قائلاً : "جعفر بن محمّد بن قُولَوَيه : يُكنّى أبا القاسم القمّيّ ، صاحب مصنّفات" .[39]
    وثاقة محمّد بن قُولَوَيه
    ذكر النجاشيّ أنّه يُلقّب مسلمة ، وكان من خيار أصحاب سعد .[40]
    وذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام) قائلاً : "محمّد بن قُولَوَيه
    الجمّال : والد أبي القاسم جعفر بن محمّد ، يروي عن سعد بن عبد الله وغيره ".[41]
    وبما أنّ أصحاب سعد أكثرهم ثقات ، كعليّ بن الحسين بن بابَوَيه والد الصدوق ، ومحمّد بن الحسن بن الوليد ، ومحمّد بن يحيى العطّار ; فإن كان محمّد بن قُولَوَيه من خيار أصحاب سعد كما وصفه النجاشي، فكان عداده في هؤلاء أو خيارهم ، وكلا الحُسنيين يدلّ على وثاقته .
    وثاقة سعد بن عبد الله الأشعريّ
    أورده النجاشيّ في رجاله قائلاً : "سعد بن عبد الله بن أبي خَلَف الأشعريّ القمّيّ : أبو القاسم ، شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها".[42]
    ذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "سعد بن عبد الله القمّيّ : يُكنّى أبا القاسم ، جليل القدر ، واسع الأخبار ، كثير التصانيف ، ثقة".
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب العسكريّ(عليه السلام) قائلاً : "سعد بن عبد الله القمّيّ : عاصره ولم أعلم أنّه روى عنه ".
    واُخرى فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام) قائلاً : "سعد بن عبد الله بن أبي خَلَف القمّيّ : جليل القدر ، صاحب التصانيف ".[43]
    وثاقة عبد الله بن جعفر الحِميَري
    عدّه البرقيّ في رجاله في أصحاب العسكريّ(عليه السلام) قائلاً : "عبد الله بن جعفر الحِميَريّ الذي سمعتُ منه بالفتح ".[44]
    وقال الكشّيّ : "قال نصر بن الصبّاح : أبو العبّاس الحِميَري، اسمه عبد الله بن جعفر ، كان اُستاذ أبي الحسن".[45]
    وأورده النجاشيّ في رجاله قائلاً : "عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع ، الحِميَري ، أبو العبّاس ، القمّيّ : شيخ القمّيّين ووجههم ، قدم الكوفة سنة نيّف وتسعين ومئتين ، وسمع أهلها منه فأكثروا ، وصنّف كتباً كثيرة ".[46]
    وذكره الشيخ الطوسيّ في فهرسته قائلاً : "عبد الله بن جعفر الحِميَريّ القمّيّ ، يُكنّى أبا العبّاس ، ثقة ، له كتب ".[47]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الهادي(عليه السلام) بعنوان "عبد الله بن جعفر الحِميَري" ، واُخرى في أصحاب العسكريّ(عليه السلام) قائلاً : "عبد الله بن جعفر الحِميَري ، قمّي ، ثقة ".[48]
    وثاقة محمّد بن يحيى العطّار
    أورده النجاشيّ في رجاله قائلاً: "محمّد بن يحيى أبو جعفر العطّار، القمّيّ، شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث".[49]
    وذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام) قائلاً: "محمّد بن يحيى العطّار: روى عنه الكلينيّ، قمّي، كثير الرواية".[50]
    وثاقة أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ
    عدّه البرقيّ في رجاله في أصحاب الهادي(عليه السلام) بعنوان "أحمد بن محمّد بن عيسى" .[51]
    وأورده النجاشيّ في رجاله قائلاً : "أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر ، الأشعريّ ... وأبو جعفر شيخ القمّيّين ووجههم وفقيههم غير مدافع ، وكان أيضاً الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقي الرضا(عليه السلام) ، وله كتب ، ولقي أبا جعفر الثاني وأبا الحسن العسكريّ(عليهما السلام) ".[52]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السائب بن مالك بن عامر الأشعريّ ... وأبو جعفر هذا شيخ قمّ ووجهها وفقيهها غير مدافع ، وكان أيضاً الرئيس الذي يلقى السلطان بها ، ولقي أبا الحسن الرضا(عليه السلام) ، وصنّف كتباً ".[53]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً : "أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ القمّيّ : ثقة ، له كتب ".
    واُخرى في أصحاب الجواد(عليه السلام) قائلاً : "أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ : من أصحاب الرضا(عليه السلام) ".
    وثالثةً في أصحاب الهادي(عليه السلام) قائلاً : "أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ : قمّي ".[54]
    وثاقة محمّد بن إسماعيل بن بَزِيع
    عدّه البرقيّ في رجاله تارةً في أصحاب الرضا(عليه السلام) بعنوان "محمّد بن إسماعيل بن بَزِيع" ، واُخرى في أصحاب الجواد(عليه السلام) بنفس العنوان .[55]
    وأورده النجاشيّ في رجاله، وعدّه من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم .[56]
    وذكره الشيخ في فهرسته مرّتين[57]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الكاظم(عليه السلام) بعنوان "محمّد بن إسماعيل بن بَزِيع" ، واُخرى في أصحاب الرضا(عليه السلام)بنفس العنوان قائلاً : "ثقة ، صحيح ، كوفىّ ، مولى المنصور ".
    وثالثةً في أصحاب الجواد(عليه السلام) بنفس العنوان، وقال : "من أصحاب الرضا(عليه السلام) ".[58]
    وثاقة أبي أيّوب الخزّاز
    عدّه البرقيّ في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "أبو أيّوب الخزّاز : وهو إبراهيم بن عيسى ، كوفىّ ، ويقال : ابن عثمان ".[59]
    وصرّح الكشّيّ في رجاله بوثاقته.[60]
    وأورده النجاشيّ في رجاله قائلاً : "إبراهيم بن عيسى : أبو أيّوب ... ثقة، كبير المنزلة".[61]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "إبراهيم بن عثمان : المُكنّى بأبي أيّوب ، الخزّاز ، الكوفي ، ثقة ".[62]
    وذكره في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) تارةً قائلاً : "إبراهيم بن زياد : أبو أيّوب ، الخزّاز ، الكوفي" .
    واُخري قائلا : "أبو أيّوب الخزّاز : وهو إبراهيم بن عيسى ، كوفىّ ، خزّاز ، ويقال : ابن عثمان" .[63]
    وثاقة محمّد بن مسلم الثقفي
    ذكره البرقيّ في رجاله تارةً في أصحاب الباقر(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن مسلم الثقفي : طائفيّ ".
    واُخرى في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن مسلم بن رياح ، ثمّ الثقفي الطائفي ، ثمّ انتقل إلى الكوفة ، عربيّ ، والعامّة تروي عنه، وكان منّا ...".[64]
    وعدّه الكشّيّ ممّن اجتمعت العصابة على تصديقهم والانقياد لهم بالفقه .[65]
    وأورده النجاشيّ في رجاله قائلاً: "محمّد بن مسلم بن رَبَاح : أبو جعفر ، الأوقص ، الطحّان ، مولى ثقيف الأعور ، وجه أصحابنا بالكوفة ، فقيه ، ورع ، صحب أبا جعفر وأبا عبد الله(عليهما السلام) وروى عنهما ، وكان من أوثق الناس".[66]
    وذكره الشيخ في رجاله تارةً في أصحاب الباقر(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن مسلم الثقفي الطحّان : طائفي ، وكان أعور ".
    واُخرى في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن مسلم بن رَبَاح الثقفي : أبو جعفر ، الطحّان ، الأعور ، أسند عنه ، قصير ، دَحدَاح[67]
    وثالثةً في أصحاب الكاظم(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن مسلم الطحّان : لقي أبا عبد الله(عليه السلام) ".[68]
    فاتّضح من جميع ما ذكرنا من الأقوال أنّ رجال هذا السند كلّهم من الثقات الأجلاّء، وعليه فالحديث صحيح أعلائي.
    وأنت خبير بأنّه إذا كان كلّ واحد من رواة الحديث في كلّ طبقة معلوم العداله والضبط، يعبّر عنه بالصحيح الأعلائي .[69]
    ثمّ إنّا نعتقد أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث ـ فضلاً عن وثاقة الراوي ـ على المنهج الفهرستيّ، فهم يعتمدون على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة التي تحمّلها المشايخ.
    وقبل الدخول في هذا البحث لا بدّ لنا من تمهيد مقال في المقام ، فنقول:
    بيان منهج قدماء أصحابنا
    أكّد أئمّتنا المعصومون(عليهم السلام) كتابة الحديث، وأمروا أصحابهم بتدوينه.
    قال الإمام الصادق(عليه السلام) للمفضّل بن عمر: "اكتب وبثّ علمك في إخوانك، فإن
    متّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج، لايأنسون فيه إلاّ بكتبهم".[70]
    وقال(عليه السلام) : "اكتبوا، فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا ".
    وأمر بحفظ الكتب، حيث قال: "احتفظوا بكتبكم، فإنّكم سوف تحتاجون إليها".[71]
    وتلبيةً لتأكيد الإمام الصادق(عليه السلام)، ازدهر العصر الذهبيّ لتدوين كتب الحديث عند الشيعة، وكان أوّل كتاب اُلّف في هذا المجال هو كتاب عبيد الله بن عليّ الحلبيّ، وحينما عُرض على الإمام الصادق(عليه السلام)، قال: "أترى لهؤلاء مثل هذا؟".[72]
    فبدأت حركة التدوين لكتب الحديث بصورة وسيعة، فكتب أبان بن تغلب وأبان بن عثمان وهشام بن الحكم وهشام بن سالم ومحمّد بن مسلم وحَرِيز بن عبد الله السِّجِستانيّ وأبو حمزة الثُّماليّ وعاصم بن حميد وعلاء بن رَزِين وعليّ بن رِئَاب، وغيرهم.
    والذي ساعد على كثرة تدوين الكتب عند الشيعة في ذلك العصر هو الانفراج السياسيّ الذي حصل في أواخر الخلافة الاُموية ، بعد اشتداد الخلافات السياسية وحتّى الحركات المسلّحة ضدّ الدولة الاُموية، فسنحت فرصة لنشر الحديث الشيعي، وكان الهدف الأساس للإمام الصادق(عليه السلام) تقوية الكيان العلميّ للشيعة، فلذلك نجد أنّ أساس المذهب الشيعيّ بُني في ذلك الزمن، كما اُلّفت معظم كتب الحديث الشيعية فيه أيضاً.
    وأمّا أهل السنّة، فقد قاموا بتأليف كتب الحديث بعد مضيّ أكثر من ثلاثين سنة من فترة الازدهار الحديثيّ الشيعيّ. ويعتبر مالك بن أنس المتوفّى سنة ( 179 هـ ) أوّل من دوّن في هذا المضمار، حيث ألّف موطّأه، ودوّن أحمد بن حنبل المتوفّى سنة ( 241هـ ) مسنده، وألّف البخاريّ المتوفّى سنة ( 256 هـ ) صحيحه، فيما بدا الشيعة بتدوين كتب الحديث وبشكل وسيع قبل ذلك التارخ، ويتوضّح لك ذلك من فترة شهادة الإمام الصادق(عليه السلام) حيث استشهد سنة ( 148 هـ ) .
    وكان للشيعة كتب كثيرة في الحديث، فأصحابنا(رحمهم الله) قاموا بتدوين أحاديث الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) في القرن الثاني، وكانت الكوفة مركزاً لتأليف كتب الحديث، إذ إنّ أكثر أصحاب الكتب كانوا من أهل الكوفة.
    ثمّ إنّ الغالب في الحديث الشيعيّ هو الكتابة، بخلاف الحديث السنّيّ، فإنّ الغالب فيه كان الرواية دون الكتابة.
    فأصحابنا في كلّ طبقة نقلوا هذه الكتب، وقاموا بتحمّلها عن مؤلّفيها بعد تأليفها، ومنهم أحمد بن محمّد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم حيث سافرا إلى الكوفة وتحمّلا كتب الحديث عن المؤلّفين الكبار هناك ـ مثل ابن أبي عُمير والحسين بن سعيد ـ ثمّ قاما بنشرها في قمّ.
    وحينما بدأ البحث العلميّ عند أصحابنا، كان الكلام يرتكز إلى مدى حجّية هذه الكتب وصحّة طريقها والوثوق بصحّة النسخة والاعتماد على راوي الكتاب. بينما كان البحث العلميّ في التراث السنّيّ يعتمد على الرواة; حيث برزت عملية تأليف الكتب في عهد عمر بن عبد العزيز، وكان تراثهم يعتمد على ذاكرة الأشخاص.[73]
    كانت مباحث علم الحديث عند قدماء أصحابنا ترتكز على محورية الكتب وتقييم نسخها وطرقها، وكانوا يصرّون على أن يكون لهم طريق مطمئنّ إلى كتب الحديث، ولا يعتمدون على الكتب الواصلة إليهم بالوجادة.[74]
    فهذه الكتب كانت مشهورة بين الأصحاب ولهم طرق متعدّدة إليها، ولكن بعد قيام المشايخ الثلاثة بتأليف الكتب الأربعة، اعتنى أصحابنا بها أكثر من المصادر الأُولى.
    فمثلاً أنّه لمّا صنّف عبيد الله الحلبي كتابه، تلقّاه أصحابنا بالقبول وقام حمّاد بن عثمان بنقل هذا الكتاب عن الحلبيّ، وكان اصطلاح قدمائنا هو: "كتاب الحلبيّ برواية حمّاد"، ومرادهم: "كتاب الحلبيّ بنسخة حمّاد"، وبعد ذلك قام محمّد بن أبي عُمير وغيره بتحمّل كتاب الحلبيّ عن طريق حمّاد، فنسخة حمّاد لكتاب الحلبيّ تحمّلها ابن أبي عُمير[75]
    فتبيّن أنّ كتاب الحلبيّ كان في متناول أصحابنا، وتحمّله كلّ طبقة من مشايخها، فالروايات التي ينتهي سندها إلى عبيد الله بن عليّ الحلبيّ منقولة من هذا الكتاب. وبذلك يتبيّن مراد الشيخ الصدوق، حيث قال في ديباجة الفقيه: "وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المُعوّل وإليها المرجع، مثل كتاب حَرِيز بن عبد الله السِّجِستانيّ، وكتاب عبيد الله بن عليّ الحلبيّ، وكتب عليّ بن مهزيار الأهوازيّ، وكتب الحسين بن سعيد" .[76]
    وكذلك يظهر وجه الحجّية في كلامه حين قال: "ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي".[77]
    فإنّ وجه الحجّية في كلامه هو وثوقه بالمصادر الأُولى; لشهرتها في عصره.
    ويتّضح كلام ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات، حين قال: "... لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال".[78]
    فإنّ كلامه ليس في توثيق مشايخه ولا توثيق جميع رجال الكتاب ، بل كان مراده هو الوثوق بالمصادر ، أي أنّ هذه المصادر كانت مشهورة ومعروفة بحيث حصل له الوثوق بها ، ولذلك نجد أنّه روى في كامل الزيارات عمّن اشتهر بالكذب، مثل عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ البصري.[79]
    والظاهر أنّ وجه نقل ابن قُولَوَيه عن الأصمّ البصريّ إنّما لوجود روايته في كتاب الحسين بن سعيد، ولم يكن اعتماد ابن قُولَوَيه على وثاقة الأصمّ البصري، بل كان اعتماده على وجود هذه الرواية في ذلك الكتاب.[80]
    فاعتماد الأصحاب في تقييم التراث الحديثيّ ـ فضلاً عن وثاقة الراوي ـ كان على ورود الحديث في كتاب مشهور مع صحّة انتساب الكتاب إلى المؤلّف وتحمّل المشايخ له، ووصول الكتاب إليهم بطريق معتبر، فربّما لم يكن الرجل موثّقاً بحسب الاصطلاح، غير أنّ أصحابنا اعتمدوا على كتابه، كما نجده في كتاب طلحة بن زيد، رغم أنّه لم يُذكر له توثيق صريح، ولكنّ النجاشي صرّح بأنّ كتابه معتمد.[81]
    وليس هناك تلازم بين وثاقة المؤلّف والاعتماد على كتابه; اذ ربّما يكون الاعتماد على الكتاب لشواهد خارجية، كما اعتمد أصحابنا على نسخة النوفليّ لكتاب السَّكونيّ، وليس معنى ذلك ثبوت الوثاقة المصطلحة للنوفليّ، بل المراد الاعتماد على النسخة التي رواها النوفليّ من كتاب السَّكونيّ.
    فكلّ ما رواه النوفليّ عن السَّكونيّ معتبر عند أصحابنا، بخلاف روايات النوفليّ عن غير السَّكونيّ.[82]
    وربّما يكون هناك اختلاف بين نسخ الكتب، فلذلك كانوا يهتمّون بالنسخ كما يهتمّون بالإسناد، وهذا هو مراد النجاشي من كلامه مراراً وتكراراً: "له كتاب تختلف الرواية فيه " ، انظر ترجمة الحسن بن صالح الأحول حيث قال: "له كتاب تختلف روايته "، قال في ترجمة الحسن بن الجَهم بن بُكَير: "له كتاب تختلف الروايات فيه "، وقال في ترجمة الحسين بن علوان الكُلَيب: "وللحسين كتاب تختلف رواياته"[83]
    وكذلك كلام ابن نوح فإنّه يزيد هذا المعنى، حيث قال: "ولا تُحمل رواية على رواية ولا نسخة على نسخة; لئلاّ يقع فيه اختلاف".[84]
    ولكون معرفة النسخة المعتمدة تحتاج إلى خبرة خاصّة مع قدرة علمية ـ ولايمكن ذلك بمجرّد العلم بوثاقة الراوي ـ ، فكان أصحابنا يعتمدون على اعتماد المشايخ، فلذلك لم تكن الشيخوخة عندهم مساوقة للنقل، بل إنّها كانت تساوق الوثاقة والضبط والدقّة والمتانة العلمية، بيد أنّ ابن نوح ـ في بيان طرقه إلى كتب الحسين بن سعيد ـ وصف الحسين البَزَوفَريّ بالشيخ فقط.[85]
    فاتّضح أنّ أصحابنا كانوا يهتمّون في مجال تقييم التراث الحديثي بالجانب الفهرستيّ فضلاً عن الجانب الرجاليّ، ويعتمدون على الخبر إذا كان مذكوراً في كتب مشهورة مع تحمّل المشايخ لها.
    ولذا يمكن القول بأنّ الشيعة بحثوا عن زاوية اُخرى لتقييم الحديث غير الجانب الرجالىّ ـ مع شدّة اهتمامهم به ـ ، ألا وهو الجانب الفهرستيّ.
    هذا تمام الكلام في منهج قدماء أصحابنا في تقييم الحديث. فإذا عرفت هذا نقول: إنّ صحيحة محمّد بن مسلم بسندها الأوّل ذُكرت في كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ، وهو كتاب معتمد عند أصحابنا.
    وإليك تفصيل الكلام من هذا المضمار:
    إذا راجعنا رجال النجاشيّ وفهرست الطوسيّ وجدنا أنّهما ذكرا من جملة كتب أحمد بن محمّد بن عيسى كتاب النوادر[868788]
    فإنّ ابن قُولَوَيه روى في هذا الحديث الشريف عن أبيه، عن سعد والعطّار والحِميَري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وأنّ أحمد بن محمّد بن عيسى القمّيّ عندما سافر إلى الكوفة لطلب الحديث، لقي محمّد بن إسماعيل بن بَزِيع وسمع منه هذا الحديث الشريف[89]
    فكتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى كان عند صاحب كامل الزيارات، وأنّه قام بإخراج هذا الحديث منه.
    ولا بأس بالإشارة إلى أنّ هذه الصحيحة كانت في أصلها كوفية ; لأنّ محمّد بن مسلم سكن الكوفة، وأنّ أبي أيّوب الخزّاز ومحمّد بن إسماعيل بن بَزِيع كانا كوفيّين.
    ولمّا سافر أحمد بن محمّد بن عيسى إلى الكوفة وتحمّل الحديث ونقله إلى مدينة قمّ، صارت الرواية قمّية، وقامت مدرسة الحديث في قمّ بنشر هذا الحديث، فأحمد الأشعريّ وسعد والعطّار والحِميَريّ كلّهم قمّيّون.
    تحقيق السند الثاني
    ذكرنا إسناد الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم.
    قال : "وما كان فيه عن الحسن بن عليّ بن فضّال فقد رويته عن أبي رضي الله عنه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال".[90]
    وقد تعرّضنا لتوثيق سعد بن عبد الله، وأحمد بن محمّد بن عيسى، وأبي أيّوب الخزّاز، ومحمّد بن مسلم، والآن نتعرّض لتوثيق سائر رجال السند:
    وثاقة الشيخ الصدوق
    أورده النجاشيّ في رجاله قائلاً : "محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه القمّيّ : أبو جعفر ، نزيل الري ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمئة، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السنّ ، وله كتب كثيرة" .[91]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه القمّيّ : جليل القدر ، يُكنّى أبا جعفر ، كان جليلا ، حافظاً للأحاديث ، بصيراً بالرجال ، ناقداً للأخبار ، لم يُرَ في القمّيّين مثله في حفظه وكثرة علمه ".[92]
    وذكره في رجاله قائلاً : "محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابَوَيه القمّيّ : يُكنّى أبا جعفر ، جليل القدر ، حفظة ، بصير بالفقه والأخبار والرجال ".[93]
    وثاقة عليّ بن الحسين بن بابَوَيه (والد الشيخ الصدوق)
    أورده النجاشيّ في رجاله قائلاً: "عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ: أبو الحسن، شيخ القمّيّين في عصره ومتقدّمهم وفقيههم وثقتهم، كان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح(رحمه الله) ".[94]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه رحمة الله عليه، كان فقيهاً جليلاً ثقة".[95]
    وذكره في رجاله فيمن لم يروِ عن الأئمّة قائلاً: "عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ: يُكنّى أبا الحسن، ثقة، له تصانيف ذكرناها في الفهرست، روى عنه التلَّعُكبَري قال: سمعت منه في السنة التي تهافتت فيها الكواكب دخل بغداد فيها، وذكر أنّ له منه إجازة بجميع ما يرويه".[96]
    وثاقة الحسن بن عليّ بن فضّال
    عدّه البرقيّ في رجاله في أصحاب الرضا(عليه السلام)، ومدحه الكشّيّ، وعدّه ممّن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنهم.[97]
    أورده النجاشيّ في رجاله، وذكر أنّه يقول بإمامة عبد الله بن جعفر فرجع ، ومدحه مدحاً عظيماً، وقال: "وكان الحسن عمره كلّه فطحياً مشهوراً بذلك، حتّى حضره الموت، فمات وقد قال بالحقّ رضي الله عنه".[98]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "الحسن بن عليّ بن فضّال : كان فطحيّاً يقول بإمامة عبد الله بن جعفر ، ثمّ رجع إلى إمامة أبي الحسن(عليه السلام) عند موته ، ومات سنة أربع وعشرين ومئتين ، روى عن الرضا(عليه السلام) وكان خصّيصاً به ، كان جليل القدر ، عظيم المنزلة ، زاهداً ، ورعاً ، ثقة في الحديث وفي رواياته".[99]
    وذكره في رجاله في أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً : "الحسن بن عليّ بن فضّال : مولىً لتيم الرباب ، كوفىّ ، ثقة ".[100]
    إذن فالرواية بسندها الثاني معتبرة، وجميع رواتها من ثقات الإمامية، إلاّ ابن فضّال فإنّه كان فطحياً، ولكنّه ثقة، فالرواية موثّقة بابن فضّال.
    والرواية الموثّقة هي ما اتّصل سندها إلى المعصوم بمن نصّ الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته.[101]
    وصرّح الوحيد البهبهاني بأنّ روايات ابن فضّال كالصحيحة ; لما ذُكر في شأن ابن فضّال.[102]
    تحقيق السند الثالث
    ذكرنا إسناد الشيخ الصدوق في الأمالي عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم.
    وقد تعرّضنا لوثاقة الشيخ الصدوق، وابن فضّال، ومحمّد بن مسلم، والآن نتعرّض لوثاقة سائر رجال السند:
    وثاقة ابن الوليد القمّيّ
    أورده النجاشيّ في رجاله قائلاً : "محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد : أبو جعفر ، شيخ القمّيّين وفقيههم ومتقدّمهم ووجههم ، ويقال : إنّه نزيل قمّ وما كان أصله منها ، ثقة ثقة ، عين ، مسكون إليه ".[103]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "محمّد بن الحسن بن الوليد القمّيّ : جليل القدر ، عارف بالرجال ، موثوق به ".[104]
    وذكره في رجاله فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام) قائلاً : "محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمّيّ : جليل القدر ، بصير بالفقه ، ثقة ، يروي عن الصفّار وسعد ، وروى عنه التلّعُكبَري ، وذكر أنّه لم يلقه ، لكن وردت عليه إجازته على يد صاحبه جعفر بن الحسين المؤمن بجميع رواياته ، أخبرنا عنه أبو الحسين بن أبي جِيد بجميع رواياته ".[105]
    وثاقة محمّد بن الحسن الصفّار
    ذكره النجاشيّ قائلاً : "محمّد بن الحسن بن فَرّوخ الصفّار ، مولى عيسى بن موسى بن طلحة بن عُبَيد الله بن السائب بن مالك بن عامر الأشعريّ : أبو جعفر الأعرج ، كان وجهاً في أصحابنا القمّيّين ، ثقة ، عظيم القدر ، راجحاً ، قليل السقط في الرواية ، له كتب ".[106]
    وذكره الشيخ في فهرسته بعنوان "محمّد بن الحسن الصفّار : قمّيّ" .[107]
    وذكره في رجاله في أصحاب العسكريّ(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن الحسن الصفّار : له إليه مسائل ، يلقّب ممولة ".[108]
    وثاقة أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ
    عدّه البرقيّ في رجاله تارةً في أصحاب الجواد(عليه السلام) بعنوان "أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ" ، واُخرى في أصحاب الهادي(عليه السلام) بنفس العنوان .[109]
    وأورده النجاشيّ في رجاله، وذكر أنّه كان ثقةً في نفسه، يروي عن الضعفاء، واعتمد المراسيل .[110]
    وذكره الشيخ في فهرسته، وصرّح بأنّ أصله كوفىّ ، وكان جدّه محمّد بن عليّ حبسه يوسف بن عمر والي العراق بعد قتل زيد بن عليّ بن الحسين(عليه السلام) ، ثمّ قتله ، وكان خالد صغير السنّ ، فهرب مع أبيه عبد الرحمن إلى برقة قمّ فأقاموا بها ، وكان ثقةً في نفسه ، غير أنّه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل ، وصنّف كتباً كثيرة .[111]
    وذكره ابن الغضائري في رجاله قائلاً : "أحمد بن محمّد بن خالد بن محمّد بن عليّ البرقيّ : يُكنّى أبا جعفر ، طعن عليه القمّيّون ، وليس الطعن فيه، إنّما الطعن فيمن يروي عنه ; فإنّه لا يبالي عمّن يأخذ ، على طريقة أهل الأخبار ، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى أبعده عن قمّ ثمّ أعاده إليها واعتذر إليه ".[112]
    والحاصل، أنّ جميع رجال السند من ثقات الإمامية، إلاّ ابن فضّال، فإنّه فطحي، فالرواية بهذا السند موثّقة.
    تحقيق السند الرابع
    ذكرنا إسناد الشيخ المفيد في مزاره عن ابن قُولَوَيه، عن أبيه وابن الوليد، عن الحسن بن مَتّيل، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم.
    وتعرّضنا لتوثيق بعض رجال السند ، وبقي أن نتعرّض لوثاقة الشيخ المفيد، والحسن بن مَتّيل:
    وثاقة الشيخ المفيد
    أورده النجاشيّ في رجاله بعنوان "محمّد بن محمّد بن النعمان"، وذكر أنّ فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.[113]
    وذكره الشيخ الطوسيّ في فهرسته قائلا: "انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته، وكان مقدّماً في العلم وصناعة الكلام".[114]
    وثاقة الحسن بن مَتّيل
    أورده النجاشيّ في رجاله قائلاً: "الحسن بن مَتّيل: وجه من وجوه أصحابنا، كثير الحديث، له كتاب نوادر".[115]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "الحسن بن مَتّيل: وجه من وجوه أصحابنا، كثير الحديث، وله كتاب نوادر".[116]
    وذكره في رجاله فيمن لم يروِ عن الأئمّة(عليهم السلام) قائلاً: "الحسن بن مَتّيل القمّيّ: روى عنه ابن الوليد".[117]
    فجميع رجال السند من ثقات الإمامية، إلاّ ابن فضّال[118]

    تحقيق السند الخامس
    ذكرنا إسناد الشيخ الطوسيّ[119]
    وقد تعرّضنا لتوثيق بعض رجال السند ، والآن نتعرّض لوثاقة من بقي منهم:
    وثاقة الشيخ الطوسيّ
    ذكره النجاشيّ في رجاله، وصرّح بإنّه كان جليلاً في أصحابنا، ثقة، عين.[120]
    وهو رئيس الطائفه، جليل القدر، ولقد أجاد ابن داود حين قال: "أوضح من أن يوضّح حاله".[121]
    وثاقة محمّد بن أحمد بن داود
    أورده النجاشيّ في رجاله قائلاً: "محمّد بن أحمد بن داود بن عليّ: أبو الحسن، شيخ هذه الطائفة وعالمها، وشيخ القمّيّين في وقته وفقيههم، حكى أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله أنّه لم يرَ أحداً أحفظ منه ولا أفقه ولا أعرف بالحديث... ورد بغداد فأقام بها وحدّث".[122]
    وذكره الشيخ في فهرسته وكذلك في رجاله.[123]
    وقد سبق الكلام في أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث ـ فضلاً عن وثاقة الراوي ـ كان على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة، وهذه الرواية ذُكرت في كتاب الزيارات للحسن بن عليّ بن فضّال وكان من الكتب المعتمدة عند أصحابنا.
    وإليك تفصيل الكلام من هذه الجهة:
    إذا راجعنا رجال النجاشيّ وجدنا أنّه ذكر كتاب الزيارات من جملة كتب الحسن بن عليّ بن فضّال، فإنّ ابن فضّال سمع هذا الحديث من أبي أيّوب الخزّاز وذكره في كتاب الزيارات. وكتاب ابن فضّال هذا اُلّف في الكوفة، ولمّا سافر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ إلى الكوفة سمعه من ابن فضّال، وبعد ذلك سمعه أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ من ابن فضّال.[124]
    فكان كتاب الزيارات لابن فضّال من الكتب المشهورة عند أصحابنا،إذ قام أجلاّء أصحابنا في كلّ طبقة منهم بتحمّله، كما ان أحمد بن محمّد بن عيسى وأحمد بن محمّد بن خالد قد روياه أيضاً.
    ولذا نستظهر أنّ أصل كتاب الزيارات كان عند الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشيخ الطوسيّ، وأنّهم أخذوا الرواية من هذا الكتاب وأدرجوها في كتبهم.
    فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ رواية محمّد بن مسلم بسندها الأوّل من
    أصحّ ما عندنا من الروايات، كما أنّها بسندها الثاني والثالث والرابع من
    الروايات الموثّقة.
    وقد عرفت أنّ هذه الرواية ذُكرت في مصدرين من المصادر الأُولى، وهما: كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى، وكتاب الزيارات للحسن بن عليّ بن فضّال، وهما من الكتب المعتبرة عند قدماء أصحابنا.
    بعد أن ثبت بصحيحة محمّد بن مسلم أنّ زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) عهد لازم على كلّ مؤمن ومؤمنة، نذكر الأحاديث التي تؤيّد هذا المعنى تتميماً للفائدة:
    الحديث الأوّل: روى الشيخ الكلينيّ عن أحمد بن إدريس، عن عبيد الله بن موسى، عن الحسن بن علي الوشّاء، قال: سمعت الرضا(عليه السلام) يقول: إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً لما رغبوا فيه، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة.[125]
    وروى ابن قُولَوَيه عن أبيه وأخيه وعليّ بن الحسين بن بابويه ومحمّد بن الحسن بن الوليد جميعاً، عن أحمد بن إدريس، عن عبيد الله بن موسى، عن الحسن بن عليّ الوشّاء مثله.[126]
    الحديث الثاني: روى ابن قُولَوَيه عن محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داود المُستَرِقّ، عن اُمّ سعيد الأَحمَسيّة، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قالت: قال لي: يا اُمّ سعيد، تزورين قبر الحسين؟ قالت: قلت: نعم، فقال لي: زوريه، فإنّ زيارة قبر الحسين واجبة على الرجال والنساء.[127]
    الحديث الثالث: روى ابن قُولَوَيه عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن الوليد جميعاً، عن الحسن بن مَتّيل، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عليّ بن حسّان الهاشمي، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: لو أنّ أحدكم حجّ دهره ثمّ لم يزر الحسين بن عليّ، لكان تاركاً حقّاً من حقوق رسول الله(صلى الله عليه وآله) ; لأنّ حقّ الحسين(عليه السلام) فريضة من الله واجبة على كلّ مسلم.[128]
    وروى الشيخ الطوسيّ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن داود، عن الحسن بن عليّ بن عَلاّن، عن حميد بن زياد، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يزيد، عن عليّ بن الحسن، عن عبد الرحمن بن كثير مثله.[129]


    صحيحة سعيد الأعرج
    روى سعيد الأعرج رواية صحيحة في لزوم إتيان قبر الإمام الحسين(عليه السلام) ولهذه الرواية سندان:
    السند الأوّل: روى ابن قُولَوَيه عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن عامر بن عُمَير وسعيد الأعرج.
    السند الثاني: روى ابن قُولَوَيه عن أبي العبّاس الرزّاز[130131]
    نصّ الرواية : روى سعيد الأعرج وعامر بن عُمَير عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال:
    اِئتوا قبر الحسين(عليه السلام) في كلّ سنة مرّة.[132]
    وذكرها العلاّمة المجلسيّ، والحرّ العامليّ.[133]
    والآن نبدأ بالتحقيق في هذه الرواية بسنديها، فنقول:
    تحقيق السند الأوّل
    ذكرنا إسناد ابن قُولَوَيه عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن عامر بن عُمَير وسعيد الأعرج.
    وقد تعرّضنا لوثاقة ابن قُولَوَيه وسعد وأحمد بن محمّد بن عيسى، والآن نتعرّض لبقيّة رجال السند:
    وثاقة عليّ بن الحكم
    ذكر الكشّيّ أنّه كان ابن اُخت داود بن النعمان.[134]
    وأورده النجاشيّ في رجاله بعنوان "عليّ بن الحَكم بن الزبير" .[135]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "عليّ بن الحَكم الكوفي : ثقة ، جليل القدر ،
    له كتاب".[136]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً : "عليّ بن الحَكم بن الزبير : مولى النخع ، كوفيّ" .
    واُخرى في أصحاب الجواد(عليه السلام) مقتصراً على قوله : "عليّ بن الحَكم" .[137]
    وثاقة سعيد الأعرج
    عدّه البرقيّ في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) بعنوان "سعيد السمّان" .[138]
    وأورده النجاشيّ في رجاله قائلاً: "سعيد بن عبد الرحمن، وقيل: ابن عبد الله، الأعرج السمّان، أبو عبد الله التيميّ، مولاهم، كوفيّ ثقة".[139]
    وذكره الشيخ في فهرسته[140]
    وذكره في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلا : "سعيد بن عبد الرحمن الأعرج السمّان : ويقال له : ابن عبد الله ، له كتاب ".[141]
    وأمّا عامر بن عُمَير، فليس له توثيق صريح في كتب الرجال، نعم عدّه البرقيّ في رجاله في أصحاب الصادق(عليه السلام)[142143]
    ولكن هذا لا يضرّ بصحّة السند ; لأنّ عامر بن عُمَير وسعيد الأعرج رويا في هذه الطبقة جميعاً عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وقد ذكرنا وثاقة سعيد الأعرج.
    والحاصل، أنّ الحديث بهذا السند يكون صحيحاً أعلائيّاً.
    وقد سبق الكلام في أنّ اعتماد قدمائنا في تقييم الحديث ـ فضلاً عن وثاقة الراوي ـ كان على ذكر الحديث في الكتب المعتبرة، وهذه الرواية ذُكرت في كتاب عليّ بن الحكم وكان من الكتب المعتمدة عند أصحابنا.
    وإليك تفصيل الكلام من هذه الجهة:
    إذا راجعنا ترجمة عليّ بن الحكم في فهرست الطوسيّ وجدنا أنّه ذكر له كتاب، وأنّ أحمد بن محمّد بن عيسى روى هذا الكتاب، والشيخ الصدوق روى عن طريق ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم.
    وبالجملة: أنّ عليّ بن الحكم سمع هذا الحديث في الكوفة من سعيد الأعرج وعامر بن عُمَير، وذكره في كتابه، وأمّا أحمد بن محمّد بن عيسى فإنّه لمّا سافر إلى الكوفة لطلب الحديث، سمع هذا الكتاب وتحمّله من عليّ بن الحكم، ونقله إلى قمّ، ثمّ سمعه سعد بن عبد الله الأشعريّ من أحمد بن محمّد بن عيسى. كما أنّ والد صاحب كامل الزيارات سمعه من اُستاذه سعد ونقله إلى ولده، فلمّا أراد ابن قُولَوَيه أن يكتب كتابه كامل الزيارات، أخذ الحديث من كتاب عليّ بن الحكم الذي كان عنده بطريق صحيح.
    فتحصّل أنّ رواية سعيد الأعرج بسندها الأوّل من الروايات الصحيحة رجالياً وفهرستياً.
    تحقيق السند الثاني
    ذكرنا إسناد ابن قُولَوَيه عن أبي العبّاس محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير عن حمّاد بن عثمان، عن مسلم، عن مسلم، عن عامر وسعيد الأعرج.
    وقد تعرّضنا لوثاقة ابن قُولَوَيه، والآن نتعرّض لشرح حال سائر رجال السند:
    وثاقة محمّد بن جعفر الرزّاز
    ليس لمحمّد بن جعفر الرزّار توثيق صريح، وإلاّ أنّه من مشايخ ابن قُولَوَيه، وقد ذكر ابن قُولَوَيه في مقدّمة كامل الزيارات كذا:
    وأنا مبيّن لك ـ أطال الله بقاك ـ ما أثاب الله به الزائر لنبيّه وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ، بالآثار الواردة عنهم ... لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته ، ولا أخرجتُ فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال .[144]
    ونتناول هنا ثلاث أقوال طبق قول ابن قولويه: "ما وقع من جهة الثقات من أصحابنا ...":
    القول الأوّل : وثاقة جميع من وقع في الأسانيد .
    ذهب الحرّ العاملي إلى أنّ ظاهر كلام ابن قُولَوَيه توثيق كلّ مَن ذُكر في أسانيد كتابه ، بل كونهم من المشهورين بالحديث والعلم .[145]
    كما أنّ السيّد الخوئيّ وافق الشيخ الحرّ، فحكم بوثاقة كلّ من وقع في أسانيد كامل الزيارات ، وحكم في معجمه بوثاقة من ذُكر في طريق ابن قُولَوَيه في كامل الزيارات ، إلاّ أن يُبتلى بمعارض .[146]
    وإن ثبت دلالة كلام ابن قُولَوَيه في مقدّمة كامل الزيارات على وثاقة مَن جاء في أسانيد كتابه ، فقد ثبت وثاقة أكثر من 380 راوياً . بنى على هذا المبنى السيّد الخوئيّ في معجمه ، وصرّح به في مواضع عديدة من كتابه ، لكنّه عدل عن هذا المبنى في أواخر عمره الشريف .
    ويتعذّر الأخذ بهذا القول ، لأنّ ابن قُولَوَيه روى عن بعض الضعفاء مثل عمرو بن شمر الجُعفيّ الذي أجمع أصحابنا القدماء على تضعيفه .[147]
    القول الثاني : وثاقة خصوص مشايخ ابن قُولَوَيه .
    استظهر المحدّث النوريّ في مستدركه أنّ كلام ابن قولويه نصّ على توثيق كلّ من صدر بهم سند أحاديث كتابه ، لا كلّ من ورد في إسناد الروايات ، وصرّح بهذا الأمر في موضعين ، فقال فى الموضع الأوّل: "إنّ المهمّ في ترجمة هذا الشيخ العظيم استقصاء مشايخه في هذا الكتاب الشريف ، فإنّ فيه فائدة عظيمة لم تكن فيمن قدّمنا من مشايخ الأجلّة ، فإنّه قال في أوّل الكتاب... ".
    وقال بعد نقل عبارة ابن قُولَوَيه : "فتراهُ نصّ على توثيق كلّ من روى عنه فيه ، بل كونه من المشهورين في الحديث والعلم ، ولا فرق في التوثيق بين النصّ على أحد بخصوصه أو توثيق جمع محصور بعنوان خاصّ ، وكفى بمثل هذا الشيخ مزكّياً ومعدّلا" .[148]
    وقال في الموضع الثاني عند البحث عن وثاقة محمّد بن جعفر الرزّاز : "ويشير إلى وثاقته، بل يدلّ عليها كونه من مشايخ الشيخ جعفر بن قُولَوَيه ، وقد أكثر مِن الرواية عنه في كامله، مع تصريحه في أوّله بأنّه لا يروي إلاّ عن ثقات مشايخه" .[149]
    فالحاصل أنّه بناءً على القول الأوّل والثاني فمحمّد بن جعفر الرزّاز ثقة.
    وثاقة محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب
    ذكره نجاشي في رجاله قائلاً: "محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب : أبو جعفر الزيّات ، الهمداني ، واسم أبي الخطّاب زيد ، جليل ، من أصحابنا ، عظيم القدر ، كثير الرواية ، ثقة ، عين ، حسن التصانيف ، مسكون إلى روايته".[150]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب : كوفىّ ، ثقة ".[151]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الجواد(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب : كوفىّ ، ثقة ".
    واُخرى في أصحاب الهادي(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الزيّات ، الكوفي : ثقة ، من أصحاب أبي جعفر الثاني(عليه السلام) ".
    وثالثةً في أصحاب العسكريّ(عليه السلام) قائلاً : "محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب : كوفىّ ، زيّات ".[152]
    وثاقة جعفر بن بشير
    ذكر الكشّيّ أنّه مولى بَجِيلة ، وكان كوفيّاً.[153]
    وأورده النجاشيّ في رجاله قائلاً: "جعفر بن بشير أبو محمّد البَجَلي الوشّاء : من زهّاد أصحابنا وعبّادهم ونسّاكهم ، وكان ثقة ... كان أبو العبّاس بن نوح يقول : كان يُلقّب فقحة[154155]
    ذكره الشيخ في فهرسته ووثّقه[156]
    وذكره في رجاله في أصحاب الرضا(عليه السلام) بعنوان "جعفر بن بشير البَجَلي" .[157]
    ثمّ إنّه روى جعفر بن بشير عن مسلم وهو مجهول.
    وثاقة حمّاد بن عثمان
    عدّه البرقيّ في رجاله تارةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) ، واُخرى في أصحاب الكاظم(عليه السلام) ، وثالثةً في أصحاب الرضا(عليه السلام) .[158]
    وذكر الكشّيّ أنّه كان فاضلا ، خيّراً ، ثقة ، وعدّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنهم.[159]
    وأورده النجاشيّ في رجاله ووثّقه ، وذكر أنّه روى عن الكاظم والرضا(عليهما السلام) .[160]
    وذكره الشيخ في فهرسته، وذكر أنّه كان ثقة ، جليل القدر .[161]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "حمّاد بن عثمان : ذو الناب ، مولى ، غني ، كوفىّ ".
    واُخرى في أصحاب الكاظم(عليه السلام) قائلاً : "حمّاد بن عثمان : لقبه الناب ، مولى الأزد ، كوفىّ ، له كتاب ".
    وثالثةً في أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً : "حمّاد بن عثمان الناب : من أصحاب أبي عبد الله(عليه السلام) ".[162]
    وذكرنا أنّ مسلم الذي روى في هذا السند مجهول ولم يُذكر في كتب الرجال.
    وكيف كان، فالرواية بسندها الثاني ضعيفة.
    والظاهر أنّ هذه الرواية بسندها الثاني ذُكرت أيضاً في كتاب النوادر لجعفر بن بشير وكان من الكتب المعتبرة عند قدماء أصحابنا.
    وإليك تفصيل الكلام من هذه الجهة:
    إذا راجعنا رجال النجاشيّ في ترجمة جعفر بن بشير، وجدنا أنّه ذكر له كتاب النوادر، ورواه محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب.
    حيث نرى في هذا السند أنّ ابن قُولَوَيه روى عن محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن جعفر بن بشير; ومعنى ذلك أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب النوادر لجعفر بن بشير.
    ويشهد على ذلك أنّ محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب روى عن جعفر بن بشير في الكافي والتهذيب والاستبصار أكثر من مئة مورد.[163]
    وبالجملة، أنّ جعفر بن بشير الكوفي سمع هذا الحديث في الكوفة من اُستاذه حمّاد بن عيسى، وذكره في كتابه النوادر، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب تحمّل هذا الكتاب من مؤلّفه جعفر بن بشير.
    ثمّ إنّ محمّد بن جعفر الرزّاز هو الذي نقل هذا الكتاب إلى مدينة قمّ، وبذلك وصلت نسخة منه إلى ابن قُولَوَيه، فابن قُولَوَيه لمّا أراد أن يكتب كتابه كامل الزيارات، كانت عنده نسخة من كتاب جعفر بن بشير عن طريق شيخه واُستاذه محمّد بن جعفر الرزّاز، فأخذ هذا الحديث وذكره في كامل الزيارات.
    فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ رواية سعيد الأعرج بسندها الأوّل صحيحة، كما انّها كانت مذكورة في مصدرين من المصادر الأُولى لأصحابنا: كتاب عليّ بن الحكم، وكتاب النوادر لجعفر بن بشير، وكانا معتبرين.
    وتتميماً للفائدة نذكر هنا روايتين وهما: مرسلة ابن أبي عمير وموثقة حنان بن سدير :
    الرواية الاُولى: مرسلة ابن أبي عمير
    روى ابن قُولَوَيه عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عُمَير، عن بعض أصحابنا، عن أبي ناب (الحسن بن عطيّة)، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، أنّه قال:
    حقٌّ على الغني أن يأتي قبر الحسين بن عليّ(عليه السلام)في السنة مرّتين، وحقّ على الفقير أن يأتيه في السنة مرّة.[164]
    وقد تعرّضنا لوثاقة رجال هذا السند، ونتناول هنا في وثاقة يعقوب بن يزيد، وابن أبي عُمَير، والحسن بن عطيّة أبي ناب.
    فأمّا يعقوب بن يزيد، فقد وثّقه النجاشيّ في رجاله، وذكر أنّه كان صدوقاً.[165]
    وأمّا محمّد بن أبي عُمَير فوثاقته أشهر من أن تذكر، فلقد أجاد الشيخ حين قال: "وكان من أوثق الناس عند الخاصّة والعامّة ".[166]
    وأمّا الحسن بن عطيّة فقد ذكره العلاّمة في رجاله قائلاً: "الحسن بن عطيّة الحنّاط المحاربيّ الكوفيّ، مولى، ثقة، وأخواه أيضاً محمّد وعلي كلّهم رووا عن أبي عبد الله".[167]
    فالرواية مرسلة، إذ نجد أنّ ابن أبي عُمَير قد رواها عن بعض أصحابنا.
    ولا بأس بصرف الجهد في التحقيق في حجّية مراسيل ابن أبي عُمَير، فنقول:
    اشتُهر عند أصحابنا أنّ مراسيل ابن أبي عُمَير كمسانيدها معتبرة، ويدلّ على ذلك أمران:
    الأمر الأوّل: ما ذكره النجاشيّ في ترجمة ابن أبي عُمَير، فإنّه قال: "روي أنّه حبسه المأمون حتّى ولاّه قضاء بعض البلاد، وقيل: إنّ اُخته دفنت كتبه في حال استتاره وكونه في الحبس أربع سنين، فهلكت الكتب، وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت، فحدّث من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله".[168]
    ويصرّح النجاشيّ بأنّ أصحابنا يعتمدون على مراسيل ابن أبي عُمَير، وهو العمدة في المقام. ويشهد على ذلك ما ذكره الكشّيّ من أنّ محمّد بن أبي عُمَير حُبس بعد الرضا(عليه السلام)، ونُهب ماله وذهبت كتبه، وكان يحفظ أربعين جلداً، ولذلك أرسل أحاديثه.[169]
    الأمر الثاني: ما ذكره الشيخ في عدّة الاُصول، حيث قال: "وإذا كان أحد الراويين مسنداً والآخر مرسلاً، نُظر في حال المرسل، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عُمَير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم".[170]
    فمقتضى كلام الشيخ أنّ منشأ اتّفاقهم على قبول مراسيل هذه المشايخ الثلاثة، هو كونهم لا يرسلون إلاّ عن ثقة.
    هذا وإنّ فخر المحقّقين صرّح بأنّ الكلّ اتّفق على العمل بمراسيل ابن أبي عُمَير ; لأنّه لا يرسل إلاّ عن ثقة، وكذلك صرّح بذلك المحقّق الكَرَكيّ والشيخ البهائي والمحقّق النراقي.[171]
    وقال السيّد الداماد: "إنّ مراسيل محمّد بن أبي عُمَير تُعدّ في حكم المسانيد".[172]
    وكان ابن أبي عُمَير يروي الأحاديث بأسانيد صحيحة، فلمّا ذهبت كتبه أرسل رواياته التي كانت هي المضبوطة المعلومة المسندة عنده بسند صحيح، فمراسيله في الحقيقة مسانيد معلومة الاتّصال والإسناد إجمالاً، وإن فاتته طرق الإسناد على التفصيل، فإنّها مراسيل على المعنى المصطلح حقيقة، والأصحاب يعتمدون عليها كما يعتمدون على المسانيد; لجلالة قدر ابن أبي عُمَير.
    فظاهر الأصحاب في مراسيل ابن أبي عُمَير أنّها في الحقيقة صحاح معلومة الأسانيد عنده إجمالاً، وإن كانت أسانيدها قد فاتته على التفصيل.
    ثمّ إنّ هذه الرواية ذُكرت في كتاب النوادر لابن أبي عُمَير، فإنّ النجاشيّ والشيخ ذكرا في جملة كتب ابن أبي عُمَير كتاب النوادر، وصرّح النجاشيّ في رجاله أنّ الرواة لكتاب ابن أبي عُمَير كثير، فهي تختلف باختلافهم.[173]
    والشيخ روى في فهرسته كتب ابن أبي عُمَير عن طريق ابن أبي جيد عن ابن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عُمَير، ومعنى ذلك أنّه كان ليعقوب بن يزيد نسخة من كتب ابن أبي عُمَير.
    وعليه فهذه الرواية كانت مذكورة في كتاب نوادر ابن أبي عُمَير ; فابن قُولَوَيه روى هذه الرواية عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، وعن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عُمَير.
    والظاهر أنّ سعد بن عبد الله الأشعريّ عندما سافر إلى العراق لطلب الحديث، سمع كتاب نوادر ابن أبي عُمَير من يعقوب بن يزيد ونقله إلى قمّ. كما أنّ والد صاحب كامل الزيارات سمع الكتاب من سعد ونقله إلى ابن قُولَوَيه. فتبيّن أنّ هذه الرواية كانت مذكورة في كتاب النوادر لابن أبي عُمَير وكان من أصحّ الكتب عند قدماء أصحابنا والتي عليها المُعوّل.[174]
    الرواية الثانية: موثقة حنان بن سدير
    روى الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل بن بَزِيع، عن حَنَان بن سَدير، قال:
    قال لي أبو عبد الله(عليه السلام) : زوروه ـ يعني الحسين(عليه السلام) ـ ولا تجفوه، فإنّه سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة.[175]
    وقد تعرّضنا لوثاقة رجال السند، وبقي الكلام في وثاقة حَنَان بن سَدِير، فقد أورده النجاشي في رجاله بعنوان "حَنَان بن سَدِير بن حكيم بن صُهَيب الصيرفي" ، وذكر أنّه عمّر طويلا .[176]
    وذكره الشيخ في فهرسته قائلاً : "حَنَان بن سَدِير : له كتاب، وهو ثقة".[177]
    وذكره في رجاله تارةً في أصحاب الصادق(عليه السلام) قائلاً : "حَنَان بن سَدِير بن حكيم بن صُهَيب الصيرفي الكوفي ".
    واُخرى في أصحاب الكاظم(عليه السلام) قائلاً : "حَنَان بن سَدِير الصيرفي : واقفىّ ".[178]
    والحاصل، أنّ جميع رواة الرواية من ثقات الإمامية، إلاّ حَنَان بن سَدِير ، فإنّه كان واقفياً، فالرواية موثّقة.
    والظاهر أنّ هذه الرواية ذُكرت في كتاب النوادر لمحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب وكان من الكتب المعتبرة، فإنّا إذا راجعنا فهرست الطوسيّ وجدنا أنّه ذكر كتاب النوادر من جملة كتب محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب.
    ثمّ إنّا نجد في أحاديث كثيرة أنّ سعد بن عبد الله روى عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب.[179]
    فنعتقد أنّه كان عند الشيخ الصدوق نسخة سعد بن عبد الله من كتب محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، وأنّ حَنَان بن سَدِير الكوفي سمع هذا الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وبعد ذلك سمع محمّد بن إسماعيل بن بَزِيع هذا الحديث في الكوفة من حَنَان بن سَدِير. ولمّا وصل الأمر إلى محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب سمع الحديث في الكوفة من محمّد بن إسماعيل بن بَزِيع، وذكره في كتابه النوادر.
    ولمّا سافر سعد بن عبد الله الأشعريّ إلى الكوفة لطلب الحديث لقي محمد بن حسين بن أبي الخطّاب وسمع منه كتابه، ونقله إلى مدينة قمّ، وبعد ذلك تحمّله والد الشيخ الصدوق عن سعد، وكذلك تحمّله الشيخ الصدوق من والده.
    والحاصل، أنّ الشيخ الصدوق لمّا أراد أن يكتب كتابه ثواب الأعمال، أخذ هذا الحديث من كتاب النوادر لمحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب.
    فتبيّن أنّ رواية حَنَان بن سَدِير من الأحاديث الصحيحة رجالياً وفهرستياً، وقد رواها الثقات، كما أنّ المصدر الذي ذُكرت فيه كان معتبراً أيضاً.


نوشته ها در باره این

نظر شما

.شما در حال ارسال نظر براي از كتاب الصحيح فى فضل الزيارة الحسينية نوشته مهدى خداميان هستید

‌اگر مي خواهيد مطلب ديگري - كه ربطي به اين ندارد- براي من بفرستيداينجا را كليك كنيد.


عنوان این فیلد نمی تواند خالی باشد.
متن نظر شما
لطفا ایمیل خود را وارد کنید * این فیلد نمی تواند خالی باشد.لطفا ایمیل را صحیح وارد نمایید.
لطفا نام خود را وارد نمایید


ابتدای متن